تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من هنا ألفينا لفظ النفس ينتشر بشكل لافت في المنهاج، ويغطي على سائر الألفاظ والمصطلحات الأخرى. ولا يخفى ما لهذا اللفظ من قوة انتساب لحقل التلقي، وهذا ما لاحظه بعض الدارسين المحدثين، يقول الدكتور محمد المبارك: "ألفاظ مثل النفس، النفوس التي تتردد في كتابات النقاد ذات صلة واضحة بالتلقي .. ويوحي هذا اللفظ بدلالات كثيرة ربما كانت سببا في الإلحاح عليه في مصنفاتهم، إذ إن النفس تشير إلى الإنسان ومشاعره الداخلية وأعماقه"22 إن لفظ النفس لا ينتشر في المنهاج بكثافة وحسب، بل إنه يدخل مع سائر ألفاظ التلقي ومصطلحاته التي أحصيناها في علاقات قوية، حيث يختبر دلالة اللفظ والمصطلح على التلقي من خلال صدوره عن النفس أو مدى تأثيره فيها، وإجمالا، لا يحظى اللفظ أو المصطلح بالانتماء إلى الحقل الدلالي للتلقي، إلا إذا كان من النفس أو متوجها نحوها، أو مرتبطا مع قواها بسبب.

وقد عزز إحصاء ألفاظ التلقي ومصطلحاته في المنهاج هذا الرأي، فألفاظ ومصطلحات مثل، الأثر، الألم، الإلف، البسط، الإبداع، البلاغة، الحسن، التخييل، التحريك، المحاكاة، الارتياح، الإذعان، التزين، السرور، الطبع، القبض، القبح، العذوبة، التعجيب، الافتنان، الفصاحة، الميل، الاكتراث، الكراهية، اللطافة، الهزة،…23 إلخ. كما نرى، لا يمكن أن تكون إلا أفعالا للنفس وأوصافا لها، أو ردودا منها عند التلقي فالأثر مثلا، شيء في النفس والتحريك فعل يشملها، والميل كذلك من ردود فعلها، وقس على ذلك ما سرد أعلاه من سلوكات تنتاب هذه النفس زمن استقبالها الكلام الجيد والقول الجميل.

بناء على ما سلف، وجب الانطلاق من تلك المصطلحات المفاتيح، والألفاظ الغزيرة الورود، المنتمية فعلا لحقل التلقي انتماء قويا، لا لبس فيه ولا شك يرقى إليه، و "قد أعتبر مصطلحا كل لفظ يتبين من قرائن استعماله أنه أتى به في المجال اللغوي العام ليعبر به عن معنى ما في مجال لغوي خاص"24 وأي مجال لغوي؟ إنه مجال الدراسة الأدبية حسب واقعها في منهاج البلغاء وسراج الأدباء. لكن لماذا ألفاظ التلقي ومصطلحاته؟ إن دارس مصطلحات حازم القرطاجني، سيلاحظ ولا شك أنها تتفرد بطبيعة خاصة، لأنها تجمع بين ثناياها مصطلحات تامة الاصطلاحية، ومصطلحات أخرى مرشحة للاصطلاحية التامة، وأن هناك ألفاظا يمتنع سلكها مع المصطلحات.

وهذا ما انتبه له أحد الباحثين تصدى لإحصاء مصطلحات المنهاج ودراستها بقوله:"يمكن القول بأن طبيعة المصطلحات في المنهاج تنحو إلى الانشعاب في المناحي التالية .. مصطلحات تامة الاصطلاحية وهي كثيرة، وقد أدرك حازم أهميتها، فاعتنى بها عناية زائدة… ومصطلحات مرشحة للاصطلاحية التامة وهي بعض الألفاظ التي استعملها حازم في منهاجه وكان يطبعها التجديد أو الإضافة، ثم تطورت واتسعت دائرتها على يد العلماء اللاحقين"25. من هنا يفضل تسميتها: "ألفاظ التلقي ومصطلحاته في المنهاج" حتى لا أجعل من لفظ ما، مصطلحا دون أن تتوافر له المؤهلات الضرورية لذلك.

وإذا جرت العادة في نظير هذه الأعمال، إحصاء المصطلحات بترتيبها "كلها ترتيبا هجائيا حسب أوائل فثواني فتوالث لأصول"26. فالمنهاج يستجيب للمنهج ذاته، مع إصرار على جعل معجم التلقي المنجز، يتوقف عند مادة "لقي" ومادة "نفس" وهما حجر زاوية هذا البحث، وعماده، حيث ينطلق منهما موضوع البحث، ويقف عندهما، وإن هو نظر أو رصد غيرهما من الألفاظ أو المصطلحات فلأجل شرحهما والتوسع في دلالاتها وسبر أغوارها. إن مدار البحث في هذا الموضوع هو التلقي، ولا يتمظهر هذا التلقي، إلا في حركة النفس وانفعالها وحركيتها، فهي في البدء مصدره وعلته ونتيجته ومآل الكلام أو القول في نهاية تلقيه عائد إليها.

فمادة – لقي- ومشتقاتها أولى بالاهتمام من غيرها، لأن فهم معانيها وحصر دلالاتها اللغوية والاصطلاحية كفيل بإزاحة النقاب عن حقيقة التلقي وماهيته، وتمهيد لما يأتي بعدها من ألفاظ ومصطلحات.

ولما كانت النفس تالية للتلقي معبرة عنه، جنح البحث لاستكناه معانيها ابتداء من تحديدها لغويا واصطلاحيا. إن بحث التلقي ينطلق من هتين الكلمتين ويركز عليهما، نظرا لكونهما مفتاحين يستعان بهما لفك معضلات الخطاب الحازمي ودراسة أشكال التلقي ومظاهره وآثاره، فإذا تم له ذلك، غدا بوسعه ملامسة كنه هذا الخطاب النقدي وفقه أسراره.

الإحالات

1 - منهاج البلغاء، 26.

2 - تاريخ النقد الأدبي عند العرب للدكتور إحسان عباس، 562، دار الثقافة، بيروت، ط: 4/ 1992.

3 - مناهج النقد الأدبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق خلال القرنين السابع والثامن، 386.

4 - المنهاج، 252.

5 - المنهاج 48

6 - نفسه،256

7 - نفسه،25

8 - نفسه، 15.

9 - نفسه 152

10 - نفسه 364

11 - مدخل المنهاج لمحمد الحبيب بن الخوجة، 114.

12 - دلالة الألفاظ للدكتور إبراهيم أنيس، 9 - 10، مكتبة الأنجلوالمصرية، ط.2/ 1963

13 - مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبيين للجاحظ، للدكتور الشاهد البوشيخي، 13، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط.1/ 1402هـ- 1982م

.14 - تقرير عن رسالة "مناهج النقد الأدبي في الأندلس" للدكتور علي لغزيوي،135

15 - مناهج النقد الادبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق،388

16 - مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبيين، 16.

17 - الأسلوب، د. سعد مصلوح، 30، عالم الكتب القاهرة، ط. 3/ 1992.

18 - المعنى الشعري في التراث النقدي، د. حسن طبل، 3، دار الفكر العربي، ط 3/ 1998.

19 - نظرية المعنى عند حازم القرطاجني، للدكتورة فاطمة ع. الله الوهيبي، 259،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1/ 2003

20 - المعنى الشعري، 3.

21 - نظرية المعنى، 259.

22

-جمالية الألفة،40

23 - استقبال النص عند العرب،33

24 - أنظر المنهاج،11،19،23،24، 25،26،28،30،31،39،41،42،61،85،86،90،118. 25 - مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين،16.

26 - المصطلحات النقدية في كتاب منهاج البلغاء وسراج الادباء لأبي الحسن حازم القرطاجني،لأحمد الادريسي،25،26، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا،كلية الاداب،ظهر المهراز،فاس،91/ 1992.

27 - مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان،19.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير