وقد يرى البعض أن هذه المشاهد والمواقف القصصية تقتصرعلى المعالجة النفسية التى تطغى على جماليات الفن القصصى، والحقيقة التى لاجدال فيها أن تلك الأمور والمعالجات الفنية والموضوعية ينعكس عليها صلاح الفرد والمجتمع، وأهمية الدور المهم الذى يجب أن يؤديه الفن عموما والفن القصصى خاصة، مع أهمية تحقيق المتعة الفنية والحكائية.
وفى هذا الجانب الفنى الإبداعى قد استطاعت عطيات أبو العينين ان تصور وتنقل المشاهد القصصية، فى لوحات بيانية تقوم على التصوير النفسى المقارن، ويجب أن نشير إلى أن خاصية التصوير المقارن بواسطة النفس والشعور ليس مطروقا كثيرا فى أدبنا المعاصر، لذا فإن "مرارة المشمش" قد تبدو فى ظاهرها ومفهومها القريب غريبة تعكس روحا اجتماعية وأسرية، تهدف إلى ترجمة الواقع الداخلى الذى نبعد عنه كثيرا ولانقترب منه نظرا لخصوصيتنا الشرقية.
إن الكاتبة استطاعت ان تنفذ إلى ضمير المجتمع والبيت المصرى بواسطة نماذجه البشرية المختلفة، فى زمن نفسى محدد، رجالا ونساء أطفالا وشبابا، واستطاعت أن تنقل كثيا من المشاكل النفسية التى لانحفل بها ولا نستطيع أن أن نواجه بها أنفسنا، وقد لايبدو ذلك واضحا إلا من خلال القراءة البعيدة للنص القصصى عند الكاتبة.
ومن اللافت للنظرفى هذه القصص أنها اختصت بنماذج وحالات خاصة فى اوقات دقيقة وخاصة جدا مما جعل الموضوع القصصى يدور فى منطقة ذات خصوصية نفسية وأخلاقية، مثل قضية الاختيار الأمثل عند الزواج، وقضية العلاقة الزوجية، وكيفية تربية الأبناء ومراقبتهم فى المراحل العمرية المختلفة، ومراعاة المتغيرات النفسية والفسيولوجية التى تواجهم فى حياتهم الأولى، كل ذلك من خلال العلاقة الصحيحة بين الأبوين، بالإضافة إلى قضايا الفقر ومشاكله والغربة والمرض النفسى والعضوى، والمشاكل النفسية المتوارثة والتى يعول عليها الفن القصصى كثيرا.
لذلك فإن هذه التجربة بأركانها المختلفة تمثل تأسيسا خاصا وواقعا فنيا وموضوعيا، يمثل الضمير النفسى لعطيات أبوالعينين ولا يمثل غيرها، حيث لم تغادر نفسها ولم تركن إلى التقليد المباشر السريع الذى يحتفل بالنموذج الجاهز، حتى استطاعت ان تشير إلى طريقتها وأسلوبها فى التعبير بما لها وما عليها، والتى منها المتعة الفنية وإثارة الرغبة فى فهم الأشياء، والشعور بالحميمية المصرية فى أثناء القراءة، كل ذلك رغم وجود بعض الملاحظات فى الوحدة العامة الموضوعية للمجموعة، والتى خفف من حدتها الوحدة النفسية التى حاولت الكاتبة تحقيقها.
وثمة أمرأخر يلحظه القارىء المدقق لمجموعة "مرارة المشمش" وهو العملية التشاركية الفعالة بين القارىء والنص، من خلال السؤال الضمنى الذى تطرحه الكاتبة، والذى يختلف مضمونه تبعا لاختلاف القضية، لكنه عموما يدورفى أهمية المواءمة بين سلوكنا ومنطقنا فى التعامل الحقيقى الظاهرى الذى نعلن عنه، وبين ما نبطنه فى ذواتنا وتجاه أنفسنا، داخل بيوتنا وحجراتنا المغلقة وفى ضمائرنا، تلك هى خصوصية عطيات أبو العينين فى تجربتها القصصية.
وفى القسم الثانى:
الذى يضم قصص القوقعة مرارة المشمش الحلم
تدويرة المفتاح ليلة زفاف المصحى
تختلف التجربة لتعكس الوجه الأخر المقابل عند القاصة والكاتبة والباحثة الأكاديمية والإعلامية عطيات أبوالعينين، على مستوى القص والحكى والتطوير الموضوعى والنفسى، ويتعلق هذا الاختلاف بعملية الجمع بين حقيقة التأثيرات النفسية وتطبيقها على كافة المستويات والطبقات الاجتماعية، حيث قدمت الكاتبة مجموعة من الموضوعات المهمة على المستوى الاجتماعى والعاطفى النبيل، وهى هنا تحاول رؤية العالم وتمثيل الأخر بوعى وثقة، والملاحظ أن هذه الموضوعات قد استدعت لها الكاتبة نماذج بشرية تبدو بعيدة عن محيطها الشخصى، لكنها قريبة تمثل الطبقات المختلفة فى المجتمع، وفى النهايةإن التجربة القصصية عند عطيات أبوالعينين تجربة حقيقية تدل على شخصيتها المصرية وتعكس ثقافتها وتكشف عن طموحاتها الجادة فى ترسم خطى السابقين من الكتاب.
محاور التجربة القصصية عند عطيات أبوالعينين:
1 - الشخصية
¥