تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4 - من خلال قراءتنا الأولى لهذين النصين نستنتج تقاربا كبيرا بينهما وذلك على مستوى العناوين والشخصيات والصياغة شعرا في قالب فكاهي تهكمي هدفه تعليمي اصلاحي والنهاية بحكمة هي بمثابة عبرة للمتلقى.

5 - إذا كان النصان يحتويان على عناوين يجب الا نهملهما في عملية المقارنة ومن هنا إذن تبدأ مقارنتنا بين هذين النصيين بالمقارنة بين عنوانيهما.

إذا دققنا جيدا بين عنواني النصين نجدهما يتشابهان جدا اللهم إلا وجود نوع من القلب على مستوى رتبة الحيوانين: فلا فونتين سبق بالديك أي " الديك و الثعلب " بينما سبق شوقي بالثعلب أي " الثعلب والديك".

و إذا دققنا جيدا في النصين لوجدنا أن هذا الترتيب لم يأت صدفة بل كان له تبريره، إذ كان "الديك" عند " لافونتين " هو القائد وهو الشخصية المهمة والفعالة، أما عند شوقي فكان " الثعلب " هو الشخصية الرئيسية والفعالة.

هكذا كانت محاكاة شوقي للافونتين محاكاة إيجابية لانه لم يقم بتقليده بشكل سلبي وآلي.

و من ذلك ننتقل إلى كيفية افتتاح المؤلفين لنصيهما، أما لافونتين فلم يدخل مباشرة في الموضوع بل قام بوضع مقدمة صغيرة لنصه تتمثل في وصف الديكور الذي ستقع فيه أحداث هذه القصة بكل دقة، كما وصف بعدها شخصية " الديك " بطريقة شيقة ومشوقة جدا إذ نسب إليه خصال الثعلب فهو بهذا يكون قد قلب الاية وجعل المتلقي يتشوق أكثر لمعرفة تفاصيل أحداث هذه القصة حتى يكتشف هذا لديك الذي تبدو على محياه مهارة ودهاء.

وهذه التقنية مهمة جدا لأنها تجلب المتلقي من الوهلة الأولى إلى احداث القصة وتساعد أيضا المخرج إن أراد أن يجعل منها تمثيلية تمثل على خشبة المسرح لاسيما في رسم الديكور.

وهذا دليل واضح على تأثر لافونتين بتقنيات فن المسرح، الذي بلغ قمة النضج و التطور في عصره اد كانت معظم المسرحيات وقتداك تبدا بهذه الكيفية.

وهذا ما لا نجده عند احمد شوقي الذي دخل مباشرة في الموضوع على منوال القصيدة العربية التقليدية البعيدة كل البعد عن الشعر القصصي لأن طابعها غنائي ويعتمد أساسا على السرد والحكاية.

من هنا تنتقل إلى الهيئة التي ظهر بها الثعلب " في كلا النصين ":

لعل أول كلمة تلفظ بها ثعلب لافونتين وهو يتوجه بالحديث الى الديك هي " أخي " التي تعبر عن المحبة والمودة والقرب الروحي والعاطفي بينهما هذا كله حتى يحضر خصمه نفسيا وعاطفيا لسماع ما جاء من أجله وليؤثر على عواطفه لأنه يعرف حق المعرفة طبيعة الديك الساذجة.

لكن لافونتين لم يترك الأمور هكذا بل أضاف عبارة "بصوت ملطف " حتى يبين لنا أن لفظة أخي تلك لم يتلفظ بها الثعلب بصدق ولم تكن نابعة من القلب لأنها كانت مصحوبة "بصوت ملطف " الذي فيه الكثير من التكلف والتصنع وهي جزء من خطته الماكرة التي كان يهدف من خلالها إلى القضاء على الديك، ومن خلال هذه العبارة أيضا يريدنا المؤلف أن نحترس من الثعلب مند البداية.

بالإضافة إلى ذلك كان الثعلب، وهو يعرض صلحه، يتحدث بكل قوة و إصرار ليبين عزمه الشديد و إصراره القوي على ضرورة إنهاء الخصام و العداوة الموجودة بين الثعلب والديك و فتح صفحة جديدة بينهما فبالإضافة الى النبرة والصوت كان يستخدم "لام الأمر " لاسيما في البيتين الرابع والخامس حتى يحمل الديك على الرضوخ لأوامره.

بالإضافة إلى ذلك، استعمل "الثعلب" عامل السرعة حتى يحقق هدفه في أقرب وقت ممكن، فقد كان دائما يتحدث عن الأشغال الكثيرة و الزيارات المتعددة التي كان عليه أن يقوم بها فور إنهائه لتلك المهمة، مهمة الصلح،لئلا يترك للديك المجال للتفكير والكشف عن خدعته، كما كان الثعلب يسعى إلى توسيع رقعة هذا الصلح لتشمل كل جماعة الديوك وذلك حتى تكون الغنيمة أكبر وأعظم، وفي انتظار ذلك كان الثعلب مصرا على جعل الديك ينزل من الشجرة حتى يتعانقا ويقبل أحدهما الآخر كدليل على الاخوة والمحبة والصلح وهنا فقط تتجلى أمامنا فكرة الأخوة والتسامح المسيحي الذي يقتضي الغفران لكل من يأتي تائبا وطالبا العفو حتى و إن ارتكب ضد خصمه أمورا صعبة جدا وعلى هذا الأساس لا يمكن للديك أن يرفض ما عرضه الثعلب عليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير