تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن يعتمد بكل سلبية على تجارب أجداده وعلى الحكمة التي توصلوا إلى صياغتها حتى تكون درسا لمن يأتوا بعدهم، فضل ديك شوقي أن يأخذ هذه الحكمة كماهي عن اسلافه دون أن يخوض غمار التجربة بذاته وهذا يعكس لنا سلبية الإنسان العربي الذي يعيش عالة على ما حققه اسلافه في الماضي و لايفتا يفتخر بالمجد القديم دون أن يسعى إلى القيام بإحيائه أو بصنع مجد جديد له،

هكذا كان شوقي يعبر عن سلبية المجتمع العربي التي كانت تزعجه كثيرا وكان

دوما يحاول إيقاظه وتحريكه.

حاول كل من لافونتين وشوقي أن يحذروا الناس في مجتمعيهما من هذا النوع من الشخصيات الماكرة والخادعة التي قد تتواجد في الأوساط السياسية أو في مختلف الطبقات الاجتماعية، فالشخص المخادع بالطبيعة لن يتغير مهما كانت الظروف ومهما حاول أن يظهر في هيئة حمل وديع فهو يبقى دائما في داخله ثعلبا ماكرا، ينبغي إذن الاحتراس وبشدة من هؤلاء لتفادي الوقوع في فخهم.

بهذا حاول شوقي أن يسير على نهج لا فونتين، فقد كان مصيبا في بعض الأمور، كأن توصل إلى نقل بعض الحقائق الخاصة جدا بمجتمعه كما استطاع أن يضفي على نصه صبغة عربية إسلامية محضة، وفاشلا فنيا، إذ لم ينجح في جعل نصه قصة دقيقة ومتكاملة في بنائها بل بقي سجين القصيدة العربية التقليدية البعيدة في فنياتها عن الشعر القصصي لأنها لا تتلائم إلا مع الشعر الغنائي الوجداني الذي لا يحتاج إلى حوار مباشر ولا إلى عقدة و لا إلى صراع ولا إلى تأزم الأحداث و انتهائها بحل، لذا كانت تقنيات الوصف والسرد بارزة في نصه الذي عجز عن تكييفه مع تقنيات الشعر القصصي الذي لم يكن متمكنا بعد من أدواته.

التطبيق الثاني:

من مسرحية أوديبوس ملكا لسوفوكليس

الكاهن: أي ملك وطني اوديبوس! أترى إلينا كيف اجتمعنا هنا حول مذبح

القصر، أترى إلى أعمارنا منا من لا يزال ضعيفا لم يثبت ولم يستطع أن يبعد عن المدينة، هذه ثيبة كما ترى تهزهزا عنيفا وقد اضطرت إلى هوة عميقة، فهي لا تستطيع أن ترفع رأسها، وقد أحدقت بها الأخطار الدامية من كل مكان،إنها تهلك فيما تحتوي الأرض من البذر، إنها تهلك في القطعان الراتعة في المراعي، إن إلاله الذي يحمل نار الحمى قد اندفع في المدينة مدمرا مخربا، إنه الوباء المهلك يأتي على مدينة كادموس، نعم إنا لا نرفعك إلى مكانة الآلهة لا أنا ولا هؤلاء الأبناء من حولي حيث نطيف بقصرك! ولكنا نراك أحق الناس بأن نفزع إليك حين تلم بنا الخطوب.

أوديبوس: أيها الأبناء إنكم لخليقون بالإشفاق لست أجهل أنكم تألمون جميعا،

ولكن ثقوا بأن ليس منكم من يألم كما ألم، كل واحد منكم يألم لنفسه لا يتجاوزه الألم إلى غيره، أما أنا فإني آلم لتيبة وآلم لك وآلم لنفسي.

الكاهن: حقا لقد تكلمت في الوقت الملائم، فهؤلاء ينبؤنني بمقدم كريون.

بسم الله الرحمن الرحيم

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير