المحاكاة عند الفارابي ليست استنساخا للواقع، أو نقلا لمعطياته، ونلمح هذا من خلال فكرته للأقاويل الشعرية التي لاتكون ملزمة بنقل ما في الواقع والإتيان بما يطابقه، فطبيعة المحاكاة عنده هى أنها خلق وتخييل وتشكيل للموضوع الشعري على أساس أن غرض المبدع وكما يقول الفارابي هو: "أن يوقع في ذهن السامعين - والمتلقين - المحاكي للشيء بدلا من الشيء نفسه": (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1 - مقالة في قوانين صناعة الشعراء ص 159 كتاب فن الشعر ترجمة عبد الرحمن بدوي
2 - تاريخ النقد الأدبي القديم ج 1: د/ محمد علي سلامة مكتبة الآداب ص 185 3 - مقالة في قوانين صناعة الشعراء ص 150 كتاب فن الشعر ترجمة عبد الرحمن بدوي
(5)
النقد عند ابن سينا
" إن الشعر هو كلام مخيل مؤلف من أقوال موزونة متساوية عند العرب مقفاة ومعنى كونها موزونة أن يكون لها إيقاع ومعنى كونها متساوية هو أن يكون كل قول منها مؤلفا من أقوال إيقاعية ومعنى كونها مقفاة هو أن يكون الحرف الذي يختم به كل قول منها واحدا وإنما ينظر المنطقي في الشعر من حيث هو مخيل " (1)
ابن سينا هو أول فيلسوف من فلاسفة المسلمين وصف الشعر بأنه كلام مُخَيِّل، فهو لم يقف في تعريفه للشعر على أنه قول موزون ومقفى فقط، بل ذهب إلى أبعد من هذا وجعله (كلام مخيِّل) ومن خلال هذا الكلام نستطيع أن نتعرف على مفهوم الشعر عند ابن سينا، فوجدناه قد عرف الشعر تعريفا منطقيا مفصلا؛ فالشعر عنده لا يكون شعرا إلا بما فيه من مخيلة ووزن، فقد تكون هناك أقوال مخيلة ليس فيها وزن فهى نثر، وقد توجد أقوال موزونة ليس فيها مخيلة فهى ساذجة.
ابن سينا ركز على التخييل ودوره في المتلقي فالتخييل يترك أثرا واضحا في المتلقي فيقول " والمخيِّل هو الكلام الذي تذعن له النفس فتنبسط عن أمور، وتنقبض عن أمور من غير روية وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانياً غير فكري، سواء كان المقول مصدَّقاً به أو غير مصدق. فإن كونه مصدقاً به غير كونه مخيلاً أو غير مخيل: فإنه قد يصدق بقول من الأقوال ولا ينفعل عنه، فإن قيل مرة أخرى وعلى هيئة أخرى انفعلت النفس عنه طاعة للتخييل لا للتصديق فكثيراً ما يؤثر الانفصال ولا يحدث تصديقاً وربما كان المتيقن كذبه مخيلاً. " (2)
وعن طريق التخييل استطاع ابن سينا التفريق بين الشعر وغيره من الفنون كالنثر و الخطابة فيقول " الشعر يستعمل التخييل والخطابة تستعمل التصديق. " (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1 - مقالة في قوانين صناعة الشعراء ص 161 كتاب فن الشعر ترجمة عبد الرحمن بدوي
2 - نفس المصدر ص 163
3 - نفس المصدر ص 161
(6)
تأثرابن سينا بالفارابي تأثرا كبيرا في قضية المحاكاة أو التخيل والتخييل، وأفاد منه حتى أنه طور هذه الفكرة بعد ذلك والمحاكاة عند ابن سينا هى: " والمحاكاة هي إيراد مثل الشيء، وليس هو هو، فذلك كما
يحاكى الحيوان الطبيعي بصورة، هي في الظاهر كالطبيعي " (1)
ويعلق الدكتور/ سعد عبد العظيم على تعريف المحاكاة عند ابن سينا، بأنه يفهمها أنها ليست نقلا حرفيا للواقع كما صرح بذلك أرسطو، وإنما هى محاكاة الشيء بإحدى طرق ثلاث: إما بأمور موجودة في الحقيقة، وإما بأمور يقال أنها كانت موجودة، وإما بأمور ستوجد وتظهر (2)
ويقول ابن سينا في هذا الشأن " إن المحاكاة التي تكون بالأمثال و القصص ليس هو هو من الشعر بشيء بل الشعر أن يتعرض لما يكون ممكنا في الأمور وجوده أو لما وجد دخل في الضرورة " (3)
وعاب الدكتور/ سعد عبد العظيم على ابن سينا في خلطه بين الخطأ الجوهر و الثانوي، فهو يرى أنه خلط في حديثه عن المحاكاة بين مفهوم الخطأ الجوهري و الخطأ الثانوي، وأشار إلى أن ابن سينا قد عاب على الشاعر إذا أتى بهما أو بأيهما عكس أرسطو الذي عاب فقط الخطأ الجوهري.
مفهوم الخطأ الثانوي (أن يخطىء الشاعر في الوصف عكس الحقيقة بأننا نقول مثلا الجواد يمد قدميه الأماميتين)
¥