تغنيه .. أنا قتلته، وأنت تحييه).
فهذه العلاقات اللغوية بين الجمل اللاحقة والسابقة قامت على الضمائر المذكورة آنفاً. وهي التي ساعدت الكاتب على بناء خطاب حكائي متماسك ..
إذن يشترط الاتساق النصي هنا توفر بعض الضمائر العائدة صحبة الكلمات التي تعود عليها، فالإحالة تكون تبادلية بين الضمائر والكلمات التي تحيل إليها أي أن الاثنين يحيلان إلى الشيء ذاته.
يبث الكاتب إرسالية لغوية محكمة إلى القارئ (العربي من خلال ضمائر منفصلة تربط بين جمل لاحقة وأخرى سابقة. فالقارئ لمجموعة (الطائر الذي نسي ريشه) لا يستطيع الفصل بين الضمائر العائدة والكلمات التي تحيل إليها لن تقوم للاتساق النصي قائمة إذا ألغى القارئ الضمائر قائلاً: (شربت ماءَ لا ماء من الأرض ولا ماء من السماء) فعدم تعويض كلمة (ماء) في الجملة الثانية والثالثة بضمير عائد مناسب يقصي الاتساق النصي ويبذر التفكك بين الجمل الثلاث.
تقف التحاليل الغربية الألسنية الخطابية التي ترصد الإحالة النصية عند مفهومي الضمائر المنفصلة والعلاقات السابقة، في حين أننا نجد في اللغة العربية مفهومي الضمائر المتصلة والعلاقات اللاحقة علاوة على المفهومين الغربيين السالفين. لذلك يعد طرح الإحالة النصية داخل اللغة العربية أوسع مما هو عليه داخل اللغات الغربية (الإنجليزية والفرنسية مثلاً) نجد عند زياد علي:
1 - 2 - ضمائر وجودية متصلة:
ينتج المؤلف جملاً ثانية وثالثة ورابعة .. متماسكة نصياً ومرتبطة بالجملة الأولى عن طريق بعض الضمائر الوجودية المتصلة البانية للاتساق النصي.
تطالعنا الصفحة 5 بالقول التالي (شيخ وزوجته لم يخرجا من الدنيا إلاّ بولد عوضهما الله به عن الفقر وقسوة الزمان، فعاهدا نفسيهما أن يهباه للعلم والمعرفة) فضميرا المثنى (الألف/ هما) يجعلان الجمل اللاحقة تحيل إلى الجملة الأولى (شيخ وزوجته) يمكن توضيح هذه العلاقة السابقة بالمخطط الآتي:
يخرجا
شيخ وزوجته ــــــــ عوضـ ــــــــ (هما) ـــــ: علاقات سابقة
عاهدا
يهبا
يبنى ضمير المثنى السالف علاقات وثيقة مع الجملة الأولى (شيخ وزوجته) وهي علاقات تخلق اتساقاً نصياً بين الجمل. أن تأويلا عشوائياً يقصي ضمير المثنى العائد سينتج جملاً حكائية غير (أصولية) ويؤدي إلى تكرار بعض الكلمات التي تجعلنا الضمائر في غنى عنها.
يوظف القاص زياد علي في مجموعة (الطائر الذي نسي ريشه) إحالة لغوية أصيلة تقوم على عدة ضمائر وجودية متصلة ومنفصلة. إن هذه الإنجازات اللغوية المبدعة تسلك طريقين للإحالة:
1 - 3 - طريق الإحالة المقامية:
يعانق المؤلف العالم الذي يقع خارج النص الحكائي.
1 - 4 - طريق الإحالة النصية:
يلج المبدع إلى أعماق نصوص هذه المجموعة فينغمس فيها. يخلق الطريق الأول النصوص الحكائية، حيث يجعل الكاتب يحدد الفضاء الزمكاني للأحداث التواصيلية داخل عمله، وكذلك العلاقات الفيزيائية بين المتقاعلين مع الحكايات (بالنظر إلى إيماءاتهم وإشاراتهم وتعابير وجوههم) (2) ويجعل الطريق الأول المبدع زياد علي يربط لغته الواصفة بسياق المقام الحكائي. وقد أجاد ذلك بدقة متناهية.
تذكرنا التقنيات الحكائية الموظفة والمكونات المعرفية المضمرة، التي يغلفها الكاتب بطرق أسلوبية متينة، بحكايات (ألف ليلة وليلة) الشائعة في الكون وبـ (مائة ليلة وليلة) التي درسها الباحث التونسي محمود طرشونة وببعض الحكايات الروسية التي وضع لها "فلادمير بروب" تنظيراً شاملاً .. وبالحكاية المصرية الخلاقة (ياسين وبهية) وبغيرها من الحكايات في العالم، مما يجعل مؤلف مجموعة (الطائر الذي نسي ريشه) يتواصل عالمياً دون دونية أو زللٍ مع تقنيات وشروط الإنتاج الموضوعي للحكايات الكونية.
لا يوصل طريق الإحالة المقامية زياد علي إلى تأسيس اتساق مجمل داخل مجموعته الحكائية، في حين أن طريق الإحالة النصية يمثل سر الاتساق اللغوي عند هذا الكاتب.
1 - 5 - علاقات لاحقة:
لا تتعرض الألسنية الخطابية الغربية لهذا المفهوم أثناء الممارسة التطبيقية. يقف تحديدها له عند المستوى النظري فقط ..
تحكم الاتساق النصي، الذي يخلق تماسكاً متيناً بين الجمل المتوالية المكونة للخطاب الحكائي عند زياد علي، مجموعة من العلاقات اللاحقة كقوله في ص45:
((أنا أفقرته، وأنت تغنيه
أنا قتلته، وأنت تحييه)).
¥