إن الضميرين المنفصلين الابتدائيين (أنا، أنت) يحيلان إلى الأفعال اللاحقة "أفقرت/ تغني، قتلت/ تحيي" فالعلاقة بين الضمير المنفصل والفعل هي علاقة السابق باللاحق من حيث الدلالة والتركيب. نجسد ذلك بالمخطط الآتي:
أ- أناـ أفقرت+ ـــــــ علاقة لاحقة
أنا ـــــــ قتلت+ ـــــــ علاقة لاحقة
ب- أنت ــــــ تغني+ ـــــــ علاقة لاحقة
أنت ـــــــ تحييى+ ـــــــ علاقة لاحقة
يفرغ الكاتب نصوصه الحكائية في قوالب لغوية مقبولة تلوح بإنجازته الألسنية الموظفة لأسلوب شخصي متميز، يعتمد على المقابلات والمقارنات والإبراز أو الإخفاء لبعض العناصر اللغوية. وهي خصوصية أسلوبية لا مضارع لها عند مبدعي النصوص الحكائية لأنها تنسج الخطابات بلغة واصفة ترسم في بعض الصفحات معالم الخطاب الصوفي والسريالي بدقة فريدة.
يوزع زياد علي ادوار الكلام داخل نصوصه الحكائية المتسقة عن طريق الإحالة اللغوية المرتكزة على عدة ضمائر منفصلة وأخرى متصلة، كما أنه يغادر النص ليعانق الإحالة المقامية التي تقطع جذور الاتساق النصي، مما يجعل بعض الخطابات تتوغل في السرد. تضم الإحالة اللغوية، التي تمثل مظهراً قوياً من مظاهر الاتساق النصي في حكايات (الطائر الذي نسي ريشه)، مجموعة أخرى من الضمائر نطلق عليها:
1 - 6 - ضمائر الملكية والنسبة:
أبرز التحليل الألسني الخطابي أن الكاتب يبدع اتساق نصوصه الحكائية بالاعتماد على استعمال ضمائر وجودية منفصلة ومتصلة تخلق علاقات سابقة ولاحقة بين الجمل المتتالية. ارتبطت هذه الضمائر كلها بالأفعال فقط.
نجد وسيلة أخرى للإحالة اللغوية عند زياد علي، وهي توظيفية لبعض ضمائر الملكية والنسبة المتعلقة بالأسماء فقط، مثل:
"أصحابه، أهله، خالي، عزمهما، أصحابك، لفرسه، جسدها، بأنغامه، موقفهما، ولدي، أغانيه، دكانك، صديقه، قصتك، والدك، رأسه، لكلبه، مهرها، سلوكه، طبعه، بعيادته، أمي، "بوي"، أحواله، تجارته، عملك، جوعه، سراحه، بأرجلها، بطنها، والده، خاله، بجناحيه، ريشه، صلاتكم، مشاكلكم، نفسه، ولدها، مضاربهم، أولادي، أختي، خالها .. ".
يوظف زياد علي ضمائر الملكية والنسبة ليبني اتساق النصوص الحكائية التي تحملها مجموعة (الطائر الذي نسي ريشه). يساعدنا هذا التوظيف على التمييز بين أدوار الكلام التي تنتمي إليها كل ضمائر الملكية والنسبة المتعلقة بالمتكلم: (ولدي، أمي، "أبوي"، أختي .. ) والمخاطب: (أصحابك، دكانك، قصتك، والدك، عملك صلاتكم، مشاكلكم، أولادك ... ) والغائب بأعداده الثلاثة: (أصحابه، أهله، عزمهما،
بفرسه، جسدها، بأنغامه، موقفهما، أغانيه، صديقه، رأسه، لكلبه، مهرها، سلوكه، طبعه، بعيادته، أحواله، تجارته، جوعه، سراحه، خالها .. )
تحيل ضمائر الملكية والنسبة السالفة إلى السياق المرتبط بالمتكلم والغائب والمخاطب والفضاء الزمكاني. إنها ضمائر نعتبرها بنيوياً خارجة عن النص. وهو ما نعتناه سابقاً بالإحالة المقامية .. لا تلج هذه الإحالة عالم النص الحكائي إلاّ في الكلام المستشهد به" أو في خطابات مكتوبة متنوعة من ضمنها الخطاب السردي، وذلك لأن سياق المقام في الخطاب السردي يتضمن سياقاً للإحالة، وهو تخيل ينبغي أن ينطلق من النص نفسه، بحيث إن الإحالة داخله يجب أن تكون نصية" (3).
والحقيقة أن الخطاب الحكائي الذي يوظفه زياد علي لا يلغي الإحالة السياقية التي ترحل خارج نصوص (الطائر الذي نسي ريشه). يمكن اعتبار الضمائر التي يستعملها الكاتب: "أنا، نحن"، أو تلك التي تشير إلى القارئ العربي: "أنت، أنتم" بأنها سياقية. وهي عملية لغوية تؤدي إلى تنوع أدوار الكلام في خطابات هذه المجموعة.
يتجلى الدور الرائد للاتساق النصي عند زياد علي في بعض ضمائر الغيبة العددية (مفرد، مثنى، جمع) التي تؤدي أدواراً كلامية مخالفة للضمائر الوجودية المتصلة. هذه الضمائر هي: (هو، هي، هما، هم، هن) وقد سبق الذكر أنها تخلق علاقة سابقة مع الجملة الثانية: "وشربت ماءً لا هو من الأرض ولا هو من السماء".
إنها تربط عناصر النص ببعضها وتسدد كل فراغ بين الأقسام. والملاحظ أن ضمائر الملكية والنسبة الموظفة في هذه الحكايات تقوم بعمل مزدوج: فهي تضم المالك والمملوك أو المنسوب، والمنسوب إليه، من خلال التدقيق في كيفية عودة الضمائر على الكلمات المتعلقة بها.
الهوامش:
(1) محمد خطابي. لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب. المركز الثقافي العربي: الدار البيضاء. المغرب.
ط1. 1991. ص15.
(2) المرجع نفسه. ص17
(3) المرجع نفسه. ص18.
منقول للفائدة