ثانياً: ظهور [هذه الترجمة] بالوقت المناسب إذ سئم القراء في أوائل هذا القرن من الأدب الكلاسيكي الذي جمدته قوالب فنية لا تقبل التطوير وراحوا يبحثون عن أدب جديد) ().
((المبحث الثاني))
صورة ألف ليلة وليلة في الأدب الفرنسي
لقد ظهر في فرنسا مؤلفات قصصية عديدة متأثرة بأسلوب ألف ليلة وليلة وأجوائه وأضافت هذه الأجواء بعداً آخر ... مثال على ذلك عند الكاتب "تبوخل قويتي" في أربع من مؤلفاته وهي: "غداء في صحراء مصر" و"ليلة من ليالي كليوباترا" و"قدم المومياء" و"الليلة الثالثة بعد الألف". (وقد تخيل في الرواية الأخيرة أن قريحة شهرزاد جفت فجاءت إلى المؤلف تسأله حكاية فيقصها عليها ويجعل أحداثها تجري في القاهرة حيث أن حكايات شهرزاد أوقفت مجرى الدم في واقع شهريار بينما لم يستطع – فيما يبدو – أن توقف مآسي واقع "قويتي" أو عصره محاكيات شهرزاد بحاجة إلى بعد آخر يتناسب وهذا الواقع) ().
وإن كان يخالفه الرأي آخرون في أن الفرنسيين ليسوا شغوفين بالقصة.
يقول حلمي النميم: (الفرنسيون ليسوا شغوفين بالقصة القصيرة بينما لدى الألمان دلع بها) ().
ويشاركه الرأي الدكتورة أمينة رشيد أستاذ الأدب الفرنسي والتي تقطع بأن الفرنسيين لا يحبون القصة القصيرة ولم تكن منتشرة بينهم ولا نهتم بهذا كثيراً، لكن الذي يهمنا هو هذا التأثر الذي لحق الأدب الفرنسي وإن كان قليلاً.
و (تأثير ليلة وليلة ظهر في كتابات أحد مشاهير الأدب الفرنسي ألا وهو فولتير الذي كتب 49 كتاباًَ اتسمت بالطابع الشرقي وكان أهمها (كاندير) وواجباً عجيباً حتى أنها طبقت أربعين مرة خلال عشرين عام) ().
ولقد أعلن فولتير أنه لم يبدأ في كتابة القصة إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة أربعة عشر مرة.
ولم يكن تأثير ألف ليلة وليلة على الأدب الفرنسي شكلياً فقط بل تعدى إلى المضامين و (لقد كان حضور ألف ليلة وليلة في الأدب الفرنسي طاغياً واتسع ليتغلغل في أدق المكونات الأدبية فظهرت الأساليب الفرنسية متداعية بلغة مستوحاة من الحس العاطفي للمبدع ومن تعامله الطبيعي مع الأشياء ومنبثقة من وجدانه دون مغالاة وتخلص من التعالي الكلاسيكي وراح يستلهم قصص الشرق ورومانسيته الحالمة وقد ألهبت هذه القصص خيال الفرنسيين) ().
حتى أنها غيرت نظرة الإنسان إلى العالم الخارجي فلقد أوجدت (توجهاً جديداً في نظرة الإنسان إلى الكون وعلاقته بالوجود فمغامرات السندباد وقصة علي بابا وقصص الجان والسحرة وحكايات الملوك والبسطاء وغيرها إنما تتم عن جدل الوعي والجنون في مفارقات فنية تحكيها أحلام الإنسان وخيباته وتكشف في الإنسان نفسه عن تخطي الحرمان وكسر جدار الصمت، فسلطة الكلام التي فرضتها شهرزاد لم تكن تعبيراً مجانياً لكسر الوقت بقدر ما كانت سلاحاً فطرياً لاحتواء الزمن وبذلك كون الفرنسيون فكرة مغايرة عن الإبداع والفن وبدأ التمسك بالأشكال النمطية يتلاشى ليحل محله سهولة التعبير عن الذات ومن ثم سهولة التواصل مع الآخر) ().
لقد أحدث هذا التأثير تغيراً بالشكل والمضمون والنظرة العامة للأدب الفرنسي في السرد والشعر، وقد توجهت مرحلة من العطاء الفكري والفني جعل الأدباء الفرنسيين يتوحدون مع هذا التراث فأحبوه واختلط بكتاباتهم.
*****
الفصل الثاني
الجانب التطبيقي
ويتكون من:
المبحث الأول: تأثير ألف ليلة وليلة على أدب فولتير القصصي.
المبحث الثاني: الليلة الرابعة عشر وكانديد أو التفاؤل وعقد
المشابهات.
((المبحث الأول))
تأثير ألف ليلة وليلة على أدب فولتير القصصي
1 - التعريف بالمؤثر ألف ليلة وليلة:
ألف ليلة وليلة: كتاب أدبي شعبي يتضمن حكايات خرافية وشعبية وقصص على لسان الحيوان وحكايات عن أسفار البحار والمغامرات وأساطير ونوادر وأخبار.
"وهو" مجموعة قصص وحكايات مجهولة المؤلف ظلت حقبة طويلة من الزمن قبل أن تقيد بالكناية تنتقل من جيل لآخر عن طريق الرواية الشفوية (وهو ذات الحوادث العجيبة والقصص المطربة الغريبة لياليها غرام في غرام وتفاصيل حب وعشق وهيام وحكايات ونوادر فكاهية ولطائف وطرائفه أدبية بالصور المدهشة البديعة من أبدع ما كان ومناظر أعجوبة من أعاجيب الزمان) ().
2 - التعريف بالمؤثر به:
¥