تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذهب قوم إلى أن إثبات كاد يستلزم نفي الخبر على الوجه الذي قررناه في تقرير المذهب الأول وأن نفيها يصير إثباتاً على خلاف القياس وقد اشتهر هذا بين أهل الإعراب حتى ألغز فيه أبو العلاء المعري بقوله:

أَنْحويَّ هذا العَصر ما هي لفظة **أنت في لسانَيْ جُرهم وثَمود

إذا استُعْمِلَتْ في صورة الجَحْدِ أَثْبَتَتْ**وإن أُثْبِتَتْ قامت مقامَ جُحُود

وقد احتجوا لذلك بقوله تعالى: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) وهذا من غرائب الاستعمال الجاري على خلاف الوضع اللغوي.

وقد جرت في هذا نادرة أدبية ذكرها الشيخ عبد القاهر في «دلائل الإعجاز»

"وهي أن عنبسة العنسي الشاعر قال: قدم ذو الرمة الكوفة فوقف على ناقته بالكناسة ينشد قصيدته الحائية التي أولها:

أَمَنْزِلَتَيْ مَيّ سلام عليكم**على النَّأْي والنَّائِي يَوَدُّ وينصَح

حتى بلغ قوله فيها:

إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحبين لم يَكَدُ**رَسِيسُ الهَوَى من حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

وكان في الحاضرين ابن شبرمة فناداه ابن شبرمة: يا غيلان أراه قد برح قال: فشنق ناقته وجعل يتأخر بها ويتفكر ثم قال: «لم أجد» عوض «لم يكد» قال عنبسة: فلما انصرفت حدثت أبي فقال لي: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرمة، وأخطأ ذو الرمة حين غَيَّر شعره لقول ابن شبرمة: إنما هذا كقول الله تعالى: (ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يَكَدْ يراها) وإنما هو لم يرها ولم يكد.".

وذهب قوم منهم أبو الفتح بن جني وعبد القاهر وابن مالك في «التسهيل» إلى أن أصل كاد أن يكون نفيها لنفي الفعل بالأولى كما قال الجمهور إلا أنها قد يستعمل نفيها للدلالة على وقوع الفعل بعد بطء وجهد وبعد أن كان بعيداً في الظن أن يقع وأشار عبد القاهر إلى أن ذلك استعمال جرى في العرف وهو يريد بذلك أنها مجاز تمثيلي بأن تشبه حالة من فعل الأمر بعد عناء بحالة من بعد عن الفعل فاستعمل المركب الدال على حالة المشبه به في حالة المشبه، ولعلهم يجعلون نحو قوله (فذبحوها) قرينة على هذا القصد.

وذهب قوم إلى أن كاد إن نفيت بصيغة المضارع فهي لنفي المقاربة وإن نفيت بصيغة الماضي فهي للإثبات وشبهته أن جاءت كذلك في الآيتين (لم يكد يراها) (وما كادوا يفعلون) وأن نفي الفعل الماضي لا يستلزم الاستمرار إلى زمن الحال بخلاف نفي المضارع. وزعم بعضهم أن قولهم ما كاد يفعل وهم يريدون أنه كاد ما يفعل إن ذلك من قبيل القلب الشائع.

وعندي أن الحق هو المذهب الثاني وهو أن نفيها في معنى الإثبات وذلك لأنهم لما وجدوها في حالة الإثبات مفيدة معنى النفي جعلوا نفيها بالعكس كما فعلوا في لو ولولا ويشهد لذلك مواضع استعمال نفيها فإنك تجد جميعها بمعنى مقاربة النفي لا نفي المقاربة ولعل ذلك من قبيل القلب المطرد فيكون قولهم ما كاد يفعل ولم يكد يفعل بمعنى كاد ما يفعل، ولا يبعد أن يكون هذا الاستعمال من بقايا لغة قديمة من العربية تجعل حرف النفي الذي حقه التأخير مقدماً ولعل هذا الذي أشار إليه المعري بقوله: جرت في لساني جرهم وثمود ويشهد لكون ذلك هو المراد تغيير ذي الرمة بيته وهو من أهل اللسان وأصحاب الذوق، فإنه وإن كان من عصر المولدين إلا أنه لانقطاعه إلى سكنى باديته كان في مرتبة شعراء العرب حتى عد فيمن يحتج بشعره، وما كان مثله ليغير شعره بعد التفكر لو كان لصحته وجه. وأما دعوى المجاز فيه فيضعفها اطراد هذا الاستعمال حتى في آية (لم يكد يراها) فإن الواقف في الظلام إذا مد يده يراها بعناء وقال تأبط شراً «فأُبت إلى فهم وما كدت آيباً» وقال تعالى: (ولا يكاد يبين). وإنما قال: (وما كادوا يفعلون) ولم يقل يذبحون كراهية إعادة اللفظ تفنناً في البيان.

ـ[الباز]ــــــــ[20 - 07 - 2009, 10:50 م]ـ

هل نقول أن لا فصل في القضية وأن الاختلاف سيبقى قائما؟؟

أم أن أحد الرأيين يصح في حالات و يصح الآخر في حالات أخرى

متعلقة بالفعل الذي يتبع ما كاد أو لا يكاد أو لم يكد؟؟ ...

ما معنى قولنا مثلا: لم يكد يجلس حتى قام؟؟

أليس الجلوس قد ثبت بالفعل لكنه كان لمدة قصيرة.

أليس قوله تعالى: لم يكد يراها يعني

أنه رآها بعد عناء وبصعوبة كما ذهب إلى ذلك المبرد؟؟ وبالتالي تثبت الرؤية؟؟

أليس قوله تعالى: لا يكاد يسيغه يعني

أنه يسيغه بصعوبة شديدة؟؟ -كما أسلفت بذلك أختنا الفاضلة أنوار-

وبالتالي تثبت الإساغة؟؟

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير