تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[فائق الغندور]ــــــــ[07 - 12 - 2009, 04:32 م]ـ

أخي العزيز محمد مشرف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كل عام وانت بخير وتقبل الله منك صالح الاعمال

لقد افتقدتك من فترة حيث أني ظننت أنك لم تكتب بعد ذلك فندمت

ولكن ما كتبته في هذا المقال إنما يعبر عن فكرة جميلة أخرجتها الى الواقع وكأنما هي فكرة مطابقة لما يجول في خاطري وأتمنى من كل شخص على هذه الشبكة أن يقوم بقراءتها والتفكر فيها

لقد وجدت قليلا من الاخطاء والتراكيب وهذا تصويبي لها

الفكرة

"الإنسان جماد" هذه كلمة، وردت على ألسنة بعض الفلاسفة، فإنهم يرون أن تصور الإنسان جمادا سائغ لا حرج فيه، و حملهم على القول بها أنهم يذهبون مذهب أن الأشياء ? حقيقة لها و أن ما ننسب إليها مما نسميه بالحقائق فما هو إلا "فكرنا" ...

فالجدار عندهم صلب؛ لأننا نظنه صلبا.

و الماء سائل؛ لما نراه سائلا.

والنار حارقة؛ لأننا نصفها في تخيلاتنا بالتحريق.

وقالوا ما قولوا مما يرونه حقا.

لعلك - يا قارئي الكريم - تبادر إلى ذهنك بهذا التمهيد أنك ستشاهد في السطور الآتية اندلاع جدل فلسفي يثبت مرة و يفند أخرى و هذا المتبادر الذهني أمر طبيعي بالنسبة إلى هذا التمهيد، و لكن ليس الأمر كذلك، و إنما تجدني أحاول أن أتناول بالبحث ظاهرة إنسانية نفسية، و جهت إليها زمام فكري محاضرة عالم باكستاني ألقاها قبل أيام قليلة في مسجد على كثب من منزلي، و كأن تلك المحاضرة كانت غذاء فكريا ? يزال يغذيني حتى الآن و ينمي عضلات فكري كما ينبغي ... ربما

إن السارق إذا ينوي السرقة و يخطط لها في ذهنه قبل أن "يفعل" فكرة السرقة هذه، فكأنه سرق و لو في ذهنه و إنما السرقة المجسدة ظل هذه السرقة الفكرية، لذا نجد أن الشرع لم يقتصر على الأحكام الظاهرية بل كلف العبد قلبا و فكرا، فقال النبي - صلى الله عليه و سلم -:

"الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"

فأوصى - صلى الله عليه و سلم - أمته من خلال هذا التشبيه باجتناب الحسد الذي هو وليد الفكر الإنساني، و إذا اشتعلت شرارة الحسد في فؤاد المرء لأخيه، ظل يتمنى أن يسلب منه ما أنعم به الله عليه، فكلما رآه مسرورا، ثار ثائره و فار فائره غضبا، و إذا بلغه إذاه، طار فرحا، و هذه الفكرة الملتهبة بلهب الحسد المتأججة في قلبه المتطاير شررها من جوارها القاذف كلماته رمادها فإنها في كثير من الأحيان ? يخمدها إ? أن يغتال أخاه المحسود بإلقاءه في غيابات الجب و طرحه في أرض مقفرة،

و كذلك حال سوء الظن، فقال النبي - صلى الله عليه و سلم -:

"إياك و سوء الطن"

فالمرء إذا يسيء الظن بأخيه، يشيد في ذهنه قصرا بلا أساس للظنون و التخيلات مما ربما لم يخطر ببال أخيه و يضع على عينيه نظارة سميكة لإساءة الظن ...

... و لكن إذا اكتشف الحقيقة من دون أن يتحسسها، انهار القصر المشيد فجأة و سقطت نظارة إساءة الظن، هنالك يخجل على ما كان يتصور في أخيه

و هذا كله تمخض عن الفكرة السيئة

كما أن الفكرة السلبية لها تداعيات سلبية، فإن الفكرة الحسنة المثبتة لها آثار سنية و إن ظهرت بعد ردح من الدهر، كفانا في هذا المقام قصة رحلة النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعوية إلى الطائف و ما عاناه من جفاء أهله و اعتداءاتهم و عدم مروءتهم و انتهاك حقوق الضيف، و ? ينتهي الحديث هنا و إنما أقاموا له أولادا أشرارا بالسماطين، فرجموه بالحجارة حتى أدموه، فهرول رسول الله - صلى الله عليه و سلم - تخلصا منهم، و لو كانت للأحجار أعين، لذرفت على هذا المشهد، و لكن أعين هؤلاء الجفاة كانت أشد من الحجارة قسوة، فأرسل الله إليك ملك الجبال و عرض عليه - صلوات الله عليه و السلام - أن يطبق على هؤلاء القوم أخشبي مكة إن شاء، فكان بإمكانه أن يثأر منهم و لو فعل لما ظلم، و لكن النبي العطوف الثاقب الفكر لم ينتهز هذه الفرصة بل يبدو متفائلا بهم، فانعكس هذا الفكر الثاقب المتفائل على لسانه و قال: "?، لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده و ? يشرك به شيئا" ...

ثم أتى فكر النبي - صلى الله عليه و سلم - الإيجابي الثاقب أكله حيث كان محمد بن قاسم الذي بيده فتح الله السند للمسلمين هو من أصلابهم.

و إن تصفحنا أوراق من اعتنوا بتزكية قلوبهم أشد الاعتناء، وجدنا كثيرا من وقائع هذا النوع التي أدي فيها الفكر المثبت دورا لم يك يلعبه أصحاب الأجسام القوية الذين ? يمتلكون مثل هذا الفكر و لو كانوا فطينين.

فالفكر الإنساني جعل الله فيه تأثيرا قويا، فإن كان اتجاهه نحو سمت صحيح أثر في هذا الكون أثرا مثبتا حيويا، و تنفتح في أرجائه رياحين الحب و الفرحة و الطمأنينة و تذبل أزهار البغض و الحقد و التعالي و حب الظهور و تفوح رائحة الأمن و الاحترام المتبادل و الثقة بالنفس و يفيض بحر العلم و الاكتشاف و الابتكار و تشرق شمس الحياة الدافئة التي تدور حول العالم كله من دون أن يأتيها الأفول و يهرب ظلام الحرب البارد مدبرا و يبزغ قمر السبات الهادئ الذي ? يهجم عليه المحاق.

و إن كان فيه اعوجاج، فلا طائل تحت مؤتمرات و ندوات تعقد على ظهر أراض مختلفة متباعدة تارة و متقاربة أخرى لدراسة سبل مكافحة مشاكل هذا الدنيا التي تتسارع يوما فيوما إلى عقبة الانقراض فإنه تنبعث منه عفونة التعصب و النفرة ثم تلوث أجواء أفكار الجماهير و تدوي بدوي الحمية حمية جاهلية.

أيها القارئ، أرجع إلى بداية مقالتي حيث ذكرت قولا لبعض الفلاسفة، و ? تظن أني أوافقهم بل و إنا قائل بأنه الله - عز و جل - جعل في كل شيء حقيقته و هي ? تختلف باختلاف المشاهدين، و إنما ذكرته لأعرض عليك مدى إحساس بعض منا بأهمية الفكر حتى إنهم بالغوا في ذلك و وضعوه في غير موضعه.

اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير