تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2. يُفهم مما تقدم أن مصطلح (العلمانية) ترجمة للمصطلحين الفرنسي ( laïcité) والإنكليزي ( secularism).

1.1. كلمة "عَلم"، بفتح العين:

إن كلمة عَلم ـ بفتح العين ـ التي اشتق منها مصطلح (العلمانية) كما تقدم ـ تعني "العالم" كما تقدم أيضا. ويستوقفنا في هذه الكلمة تعريف المعجم الوسيط لها، وخصوصا قوله: (نسبة إلى العَلم أي العالم)، وبالتحديد قوله (أي العالم) لتفسير كلمة (عَلم) بفتح العين. فالمعجم الوسيط ومعه مجمع اللغة العربية في القاهرة يريان أنه من الضروري شرح كلمة (العَلم) وتفسيرها للقراء بالجملة المضافة: (أي العالم). وضرورة الشرح والتفسير للقراء يعنيان أن الكلمة المراد شرحها وتفسيرها تستعجم على جمهور القراء. وأنا لاحظت استعجامها على الخاصة قبل العامة .. وهذا يجعلنا نتساءل:

هل كلمة (عَلم) ـ بمعنى العالم ـ عربية؟ وهل وردت (عَلم) ـ بمعنى العالم – في مصادر قديمة؟

الجواب لا! ليست كلمة (علم) بمعنى العالم عربية. وأرجح أنها لم ترد ـ حسب علمي ـ في مصادر عربية مكتوبة قبل سنة 1800. وأنا أزعم أنها مستعارة من الكلمة السريانية (????: عَلْما) لأن الكلمة العربية التي تدل على هذا المعنى هي (العالم). وألف المد في (عَلْما) هي أداة التعريف في السريانية لأن التعريف في السريانية، مثل التعريف في الحميرية (مثلا: ذهبن = الذهب)، يكون آخر الكلمة.

ومن الجدير بالذكر أن الجذر السامي /ع ل م/ يفيد في جميع اللغات السامية معاني "الدهر، الدينا، العالم، الزمن اللامتناهي"، إذ يجانس كلمة "العالم" عندنا كل من الكلمة العبرية: ????: /عُولَم [وأصلها فيها: عالم] / والكلمة الحبشية: /عالَم/.

فالكلمة السامية المشتركة التي تدل على العالم هي (عالم) بفتح اللام كما وردت في العربية والعبرية والحبشية وكما تقدم أعلاه. أما (عَلما) فليست موروثا ساميا مشتركا بل هي كلمة سريانية دخلت العبرية كما يقر بذلك صاحب المعجم العبري التأثيلي بصريح العبارة (6). كما أنها دخت العربية أيضا ــ أو بالأحرى ــ وُظفت في العربية بعد 1800 لنحت كلمة العلمانية منها كما سيتضح لاحقا. والدليل الحاسم على ذلك هو أن (عَلم) بفتح العين ـ أي بمعنى العالم ـ لا تستعمل في العربية لوحدها واستعمالها في العربية مقصور على كونها جذرا اشتق منه مصطلح (العلمانية) فقط.

وهذا بيان آخر للمتخصصين في اللغات السامية وفقهها: لو كانت السريانية (????: عَلْما) من الموروث السامي المشترك لكان مقابلها العبري من ذوات السيغول (حركة عبرية ممالة نحو الكسر)، ذلك أن كل كلمة سريانية على وزن /فَعلا/ يجانسها تأثيليا في العبرية /فِعِل/ بإمالة الفاء والعين نحو الكسر، ويجانسها في العربية /فعل/ على وزن كلب (قارن العربية /كلب/ والسريانية /كلبا/ والعبرية كِلِب). وهذا دليل صرفي وتأثيلي على عدم كينونة الكلمة السريانية (????: عَلْما) من الموروث السامي المشترك وأنها أي (عَلم) في العربية دخيلة من السريانية. ومنعا لأي لبس: الحديث يتعلق، في هذه المرحلة، باقتراض كلمة (علما) من السريانية وليس باشتقاق كلمة (العلمانية). وسأعود إلى ترجمة العلمانية المستعارة عن السريانية بعد الحديث في المفهوم الأصلي/المفاهيم الأصلية لمصطلح (العلمانية) في كما جاء ذلك في المصادر اللغوية الغربية.

2. المفهوم الأصلي/المفاهيم الأصلية لمصطلح (العلمانية):

يُفهم من مصطلح (العلمانية) في العربية أنه ترجمة للمصطلحين الفرنسي ( laïcité) والإنكليزي ( secularism). ومن الضروري أن نعي جيدا أن هذين المصطلحين ليسا مرادفين. بكلام آخر: إن المصطلح الفرنسي laïcité ليس مرادفا للمصطلح الإنكليزي secularism. فهذان مصطلحان مختلفان من حيث الدلالة. فالأول يشير إلى الإيديولوجية العلمانية التي نشأت بعد الثورة الفرنسية. والثاني يشير إلى "الدنيوية/ الزمانية" أي "الدهرية".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير