تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلى جانب ذلك ثمة مصلح فرنسي ثالث هو laïcisme ويعني، والترجمة لي: "عَوْمَنة" أي "جعل الشيء عاميا"، بعكس الكهنوتي. وهذا المعنى قديم قدم النصرانية، أو بالأحرى، قدم الكنيسة فيها، فقد كان بهذا المعنى أولا في اليونانية ( laikos) ثم في اللاتينية ( laicus) ثم في سائر لغات الغرب. بكلام آخر: إن هذا المعنى نشأ مع نشوء الكهنوت النصراني بعد تنصر قسطنطين واعتبار النصرانية دين الإمبراطورية البيزنطية لأن الحاجة إلى التمييز بين الكهنة وعامة الشعب أصبحت ضرورية لأسباب مخصوصة بالديانة النصرانية ومؤسساتها الدينية. ويقابل المصطلح الفرنسي هذا في الإنكليزية المصطلح laicism وليس secularism لأن المعنى مختلف كما تقدم. ومنه الفعل laicize في الإنكليزية أي إخراج كاهن ما من طبقة الكهنة إلى طبقة العامة يعني طرده من الكهنوت. وهذا الطرد مثل الحرمان الكنسي. فهذا الفعل لا يعني "علمَن" أي "جعله علمانيا" بالمفهوم الإيديولوجي للعلمانية التي نشأت بعد الثورة الفرنسية، ولا "جعله دنيويا" حسب المفهوم الإنكليزي "الزمانية/الدنيوية" (= secularism)، بل "عَومَن" أي أخرجه من طبقة الكهنة إلى طبقة العامة. من ثمة تسميتهم الشخص العامي في الإنكليزية laic أو layman وكذا laity ضد الكهنوتي (= cleric)، وفي الفرنسية laïque. وهذه المعاني في اللغات الغربية قديمة قدم المؤسسات النصرانية وليست مستحدثة. ويرد المعجم الإنكليزي التأثيلي مفهوم layman بمعنى الشخص العامي غير الكهنوتي في الإنكليزية إلى سنة 1432، أي إلى ما قبل نشوء الثورة الفرنسية (1789 - 1799) وما قبل George Holyoake صاحب المصطلح الإنكليزي secularism " الزمانية/الدنيوية" بقرون كما يتضح بجلاء. (7) ويرد المعجم ذاته المفهوم الإنكليزي layman بمعنى الشخص العامي غير الكهنوتي في الإنكليزية إلى الفرنسية القديمة التي تكون فيها هذا المفهوم سنة 1330 كما يشير المصدر ذاته. وهذا كله يعود إلى اللاتيني laicus المأخوذ بدوره عن اليونانية laikos (??????) نسبة إلى ???? "شعب".

إذن يعود هذا المعنى، معنى "العومنة" أي "جعل الشيء عاميا" بعكس الكهنوتي، إلى بداية الحقبة النصرانية كما تقدم، ويعود اشتقاق الإنكليزية Laicism والفرنسية laïcisme إلى الكلمة اليونانية ???? ( laos) التي تعني "شعب"، "عامة"، أي عكس الكهنة. من ثمة صارت الكلمة تدل على القضايا الشعبية "الدنيوية"، بعكس الكهنوتية "الدينية". وقد اشتق من الكلمة اليونانية ???? ( laos) المصطلحُ اليوناني (?????????) أو laikismos " علمانية"، وكذلك (??????) أو laikos " علماني" الذي هو ضد الكهنوتي (????????) أو klyrikos. ونرجح نشوء هذا المصطلح في بيزنطة بعدما نادى قسطنطين بالنصرانية ديانة للدولة البيزنطية في القرن الرابع للميلاد، وهو القرن الذي عرف حضورا قويا للبطارقة والكنيسة في الحياة السياسية والاجتماعية للدولة البيزنطية.

إنه هذا المعنى الثالث للعلمانية هو التي ترجم إلى العربية قبل ظهور العلمانية الفرنسية بعقود! و"أول معجم ثنائي اللغة قدم ترجمة صحيحة للكلمة هو قاموس "عربي فرنسي" أنجزه لويس بقطر المصري عام 1828 م وهو من الجيل الذي ينتمي إلى الحملة الفرنسية، وقد كان متعاونا مع الفرنسيين ورحل معهم إلى باريس وعاش هناك وكانت ترجمته لكلمة sécularité = عالماني [اقرأ: عالمانية] و séculier = علماني، عالماني. وميزة هذه الترجمة أنها أول وأقدم ترجمة صحيحة للكلمة تدحض آراء الذين يعتبرون العَلمانية من العِلم، لأنه نسبها إلى العالَم". (8) ومما يزيد هذا المعنى بيانا كون ضد séculier " العَلماني" بمعنى الشخص العامي اللاكهنوتي، هو كلمة régulier التي يراد بها "راهب الدير"، وكذلك العضو في منظمة دينية نصرانية كاليسوعية وغيرها. وأول معجم عربي عربي قدم تعريفا للكلمة هو معجم محيط المحيط لبطرس البستاني (صدر سنة 1870) حيث ورد ما نصه: "العلماني: العامي الذي ليس بإكليريكي". (9) وهذا تعريف مهم جدا لأنه يدحض أيضا آراء الذين يعتبرون العَلمانية من العِلم بكسر العين، لأنه من الواضح جليا أن البستاني لا يقصد بحده هذا الإيديولوجية العلمانية الفرنسية التي تبلورت في نهاية القرن التاسع عشر أي بعد إصدار معجم البستاني بأكثر من عقدين تقريبا ـ فضلا عن العِلم! ـ بل المفهوم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير