تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن السريان انتقل هذا المعنى إلى العرب عن طريق الكتاب العرب النصارى الذين يتقنون السريانية مثل بطرس البستاني وغيره. والدليل القاطع على ذلك استعارة العرب كلمة (علم) بمعنى (العالم) من السريانية كما تقدم أعلاه هو أن هذه الكلمة لم ترد في مصادر عربية مكتوبة قبل سنة 1800 ولا تستعمل في العربية – حتى يومنا هذا - خارج سياق كونها جذرا اشتق منه مصطلح (العلمانية) كما تقدم .. ثم اشتقوا كلمة (علمانية) منها على السماع لا على القياس لأن القياس اللغوي يقتضي نحت (عَلمية) ـ بفتح العين – وليس (علمانية) بإضافة الألف والنون.

نستنتج مما تقدم أن مصطلح (علمانية) اشتق للدلالة على:

1. مفهوم (العلمانية) القديم أي جعل الشيء عاميا بعكس الكهنوتي (= "عَوْمَنة").

ثم حُمّل مصطلح (العلمانية) في العربية:

2. مفهوم "الدنيوية"/"الزمانية"/"الدهرية" ( secularism) الذي نشأ في إنكلترا في القرن التاسع.

3. ومفهوم "الإيديولوجة العلمانية" ( laïcité)، وهي الإيديولوجية التي نشأت في فرنسا بعد الثورة الفرنسية بقرن تقريبا (في نهاية القرن التاسع عشر) وتأخذ من عداء الأديان عقيدة لها .. وأدق وصف لها هو "إيديولوجية فصل الدين عن الدولة" كما تقدم.

والسبب الرئيسي للخلط الحاصل في أذهان بعض الناس هو عدم التمييز بين المعاني الرئيسية الثلاثة التي اجتمعت في المصطلح العربي (علمانية) الذي اشتق من كلمة دخيلة من السريانية اقترضت لنحت المصطلح العربي (علمانية). ولا أشك في أن البحث في المجلات التي كانت تصدر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مثل المقتطف والمقطم وغيرهما سيلقي أضواء كثيرة على هذا المصطلح وقت إدخاله في العربية .. وهذا موضوع دكتوراه بامتياز وحبذا لو شمر باحث شاب على ساعديه للقيام به! في أثناء ذلك نقترح تمييز المفاهيم الثلاثة المجتمعة في كلمتنا (علمانية) بثلاثة مصطلحات مختلفة كما يلي:

1. قصر استعمال مصطلح (العلمانية) للدلالة على المفهوم القديم laicism/laïcisme الذي يعني "جعل الشيء عاميا" فقط (ويرادفه: مصطلح "عَومنة" الذي اخترعناه لشرح المفهوم الأصلي)؛

2. استعمال مصطلح "الدنيوية" للدلالة على مفهوم الـ secularism الذي نادى به جورج هوليوك سنة 1846 (كما تطور لاحقا). (ويرادفه: مصطلحا "الزمانية" و"الدهرية"

3. استعمال اللفظ المنقحر "لائيكية" للدلالة على "الإيديولوجة العلمانية" الفرنسية laïcité كما تطورت منذ 1880 (ويرادفه: "اللادينية").

وأنا لا أشك في أن خلط هذه المفاهيم كلها في كلمة (علمانية) ثم نقطها بكسر العين للإيحاء بأنها من العلم ثم تسويقها على أنها منهج علمي، إنما هو خلط مشبوه وتدليس بهدف ترسيخ مصطلح لا تستسيغه البيئة العربية الإسلامية وبأساليب ملتوية .. وإن كل من يمارسه وينطق هذه الكلمة بالكسر هو إما جاهل بحقيقة هذا المصطلح أو عالم به لكنه يمارس التدليس على قومه ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي:

(1) الدكتور عبدالوهاب المسيري (1423/ 2002). العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. دار الشروق. المجلد الأول الصفحة 61.

(2) وهذه الظاهرة، ظاهرة وجود مرادفات مصطلحية عربية متعددة إزاء مفهوم غربي واحد، من معضلات الثقافة العربية المعاصرة العويصة، وهي السبب في تشتت جهد الدارسين وكذلك في الكثير من الخلافات بين المثقفين. من ثمة الدعوة المتكررة إلى ضرورة ضبط المصطلح قبل الحديث في مدلولاته.

(3) الدكتور عبدالوهاب المسيري (1423/ 2002). العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. دار الشروق. المجلد الأول الصفحة 61.

(4) يتضح من كلام الدكتور فؤاد زكريا أنه يعتمد في اقتراحه اعتماد مصطلح "الزمانية" بدلا من العلمانية على المصطلح الإنكليزي اللاتيني الأصل secularism وليس على المصطلح الفرنسي اليوناني الأصل laïcité، ذلك لأن "الزمان" ليس من معاني هذا الأخير. وهذا المعنى يقترب كثيرا من معنى (الدهرية) نسبة إلى الدهر.

(5) المصدر: د. فاروق مواسي على الرابط التالي: http://www.atinternational.org/forums/showthread.php?t=6922

(6)Klein E. (1987). A Comprehensive Etymological Dictionary of The Hebrew Language ... New York/London 1987 صفحة 473 – مادة ???/ ????.

(7) انظر: http://www.etymonline.com/index.php?term=lay.

(8) د. أحمد إدريس الطعان، العَلمانية والعِلمانية. المصدر: http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2637. وانظر سيرة لويس بقطر في الأعلام للزركلي.

(9) بطرس البستاني (1977). محيط المحيط. مادة علم. وقد وردت كلمة (عَلم) بمعنى العالم أيضا في معجم كازيميرسكي الصادر في باريس سنة 1860 لكن كلمة (العلمانية) لم ترد فيه وهذا يعني أنه لم تكن حينه موطنة في العربية على الرغم في ورودها في معجم لويس بقطر المصري عام 1828. انظر: كازيميرسكي دي بيبرشتاين/ Kazimirski A. De Biberstein (1860). قاموس اللغتين العربية والفرانساوية. باريس. مادة (علم).

(10) ينتهك الأنموذج العلماني الفرنسي، في حقيقة الأمر، حقوق الانسان انتهاكا صارخا لأن فرنسا ترفض تمويل دور عبادات الأديان المعترف بها بينما تجبي الضرائب من أتباعها دون أن تأخذ احتياجاتهم الدينية والروحية بعين الاعتبار. وينطبق هذا القول على الإسلام في فرنسا أكثر منه على النصرانية واليهودية .. وفرنسا هي الدولة الغربية الوحيدة التي تفعل ذلك وبتطرف غير طبيعي بحجة ظلم الكنيسية إبان النظام القديم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير