تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلى مدى قرنين أو ثلاثة بعد مولد المسيح ?" ().

قلت: واستمرار عبادته إلى القرن الثالث الميلادي هو ما يفسر تأثر شاوُل

اليهودي وهو المعروف ببولس بهذا الإله المصري، فما فعله شاوُل اليهودي في

حقيقة الأمر أنه استعار الإله المصري إلى دينه الجديد، والذي صار يلفظ

بتحوير في لفظه إذ صار (خُنُوم) أقْنُوم.

-7 -

ولكن ما هي (عَنْقِتْ) و (سَاتِتْ)؟

جاء في كتاب الحضارة المصرية القديمة: "عبدت الإلهة (عنقت) في منطقة

الشلال الأول، وقد ظهرت في العصور المبكرة كإلهة لبعض جزر المنطقة

كجزيرتي إليفانتين وسهيل، وفي نقش المجاعة من عهد زوسر، نراها خلف

خُنُوم ... وقد ارتدت فوق رأسها تاجاً من الريش إشارة إلى أصلها البدائي،

وإن كانت في أحوال أخرى تظهر كما لو كانت قد رفعت شعرها الغزير ذا

الصلابة المعروفة عند شعر النوبيين إلى أعلى، وجمعته في أسفله بمنديل

أحكمت ربطه حول رأسها" ().

قلت: وتسريحة شعرها بهذه الطريقة تدل على أنها كانت تتشبَّه بصوف النعجة

التي هي أصل هذه المعبودة، كما سيتضح فالشعر الغزير ذو الصلابة هو تشبيه

بصوف النعجة، وجمع الشعر في أسفله بمنديل قد أحكمت ربطه حول رأسها هو

تشبيه بألية النعجة.

ثم تابع مهران: "هذا وقد اعتبر القوم الغزالة من حيوانات عنقت المقدسة

فقدسوها" (). قلت: الغزالة والنعجة هما شىء واحد كما أن الكبش يطلق على

ذكر الغنم، وعلى كبش الجبل وهو ضرب من الغِزْلان.

أما (ساتت)، فقد جاء عنها في كتاب الحضارة المصرية القديمة: "كانت ساتت

(ساتي= ساتيس) بمعنى ناثرة البذور، إلهة الخصب والحب ... وقد تركزت

عبادتها- شأنها في ذلك شأن عنقت – في جزيرة سهيل (3 كيلو جنوبي أسوان)،

كما عبدت في إليفانتين، حيث كونت مع خُنُوم وعنقت ثالوث هذه

المنطقة ..... وكانت ساتت تصور على هيئة سيدة ترتدي غطاء النسر، وتاج

الصعيد الأبيض، وتحيط به قرون ظبي" ().

قلت: ليس معنى (ساتت) ناثرة البذور، ذلك أن (ساتت) كلمة واحدة، و (ناثرة

البذور) كلمتان، وإنما (ناثرة البذور) صفة لسَاتِتْ، والذي يدل على ذلك

دليلاً قاطعاً هو ما سنوضحه الآن إن شاء الله.

-8 -

قلت: إنك لو تمنعت قليلاً في ألفاظ الثالوث المصري (عنقت وساتت وخنوم)

فستجد أنها تقابل في العربية ألفاظ (نعجة، وشاة، وغنوم) والغنوم هو ذكر

الغنم الكبير أي الكبش.

-9 -

ونحن نعلم أن المصرية القديمة ليست بعيدة عن العربية، بل إنَّ أهم

معبودات قدماء المصرييين وهو (حورس) والذي كان يصور على صورة (الصقر)

يرجع أصله إلى الجزيرة العربية، وهو في العربية طائر (الحر).

جاء في كتاب الحضارة المصرية القديمة: "اسم (حُر) (حور) غريب على اللغة

المصرية القديمة، ولكنه موجود في اللغات السامية، وبعبارة أدق في اللغة

العربية .... وقد نقل الدميري عن ابن سيده أن الحر طائر صغير أنمر أصقع

قصير الذنب، عظيم المنكبين والرأس ... وما زالت كلمة (حر) تستعمل حتى الآن

في كثير من بلاد العرب وشمال إفريقية لهذا الطائر.

ويرى بعض الباحثين أن الإله حور إنما جاء مع أتباع حور الذين عبروا شبه

جزيرة العرب إلى الشاطىء الإفريقي في أرتيريا ثم صاروا مخترقين البلاد

حتى وصلوا إلى صحراء مصر الشرقية .... وفي هذه الحالة فإن الكلمة تدل على

أصل عربي للإله حور، وعلى أي حال .... فإن أصل حور ليس من الدلتا، وإنما من

بلاد العرب أولاً، ثم من الصعيد ثانياً" ().

-10 -

عوداً على بَدْء، قلت: ويدل التقارب اللفظي بين ثالوث جزيرة سهيل

وإليفانتين وهو (خُنُوم، وعنقت، وساتت) مع ألفاظ (غنوم أي الكبش ونعجة

وشاة) يدل على الأصل العربي لهذه الآلهة خاصة إذا علمنا أن (خُنُوم) كان

يصور على صورة كبش، أو إنسان برأس كبش. وأن (عنقت) وهي النعجة كانت تصور

على صورة الغزالة، والغزالة والنعجة شىء واحد، أو هما متقاربتان، وأن

(ساتت) وهي الشاة كانت تصور بصورة سيدة يحيط بتاجها قرون ظبي، وكانت إلهة

الخصب والحب، وإنما خصت بذلك؛ لأنها كانت صغيرة السن فهي (شاة)، والشاة

هي صغيرة النعجة، والنعجة هي الأم.

ومما يؤكد الأصل العربي لثالوث (خُنُوم وعنقت وساتت) إضافة إلى التقارب

اللفظي مع ألفاظ (غنوم ونعجة وشاة) أن قدماء المصريين "لم يقدسوا هيئة

الكبش باسمه الحيواني (با) ولكن بأحد اسمين ربانيين هما (خُنُوم)

و (آمنون) ".

-11 -

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير