سلي الرماح العوالي عن معالينا .... وسائلي البيض هل خاب الرجا فينا
لما سعينا فما رقت عزائمنا ..... عما نروم ولا خابت مساعينا
وقد احتوت كثير من قصائد العصر على فيض من المحسنات البديعية والزخارف اللفظية التي لم تفسد القصائد ولم تنتقص من جزالتها بل كانت قيمة الشاعر في ذلك الزمان هي بمقدار مايمكن له ان يزخرف أقواله او يلبسها لبوسا بلاغيا , ولنستمع الى قول الحلي في وصف الربيع:
خلع الربيع على غصون البان ....... حللا فواضلها على الكثبان
ونمت فروع الدوح حتى صافحت ....... كفل الكثيب ذوائب الاغصان
والزخرفة اللفظية واضحة في هذه الابيات.
ولم يقتصر الامر على الشعر المسبوك الجيد فرغم الالماعات العظيمة في ذلك الزمان ظهر نوع من شهر الفكاهة وأخذ بعض الشعراء يهتم بالموضوعات المبتذلة مثل وصف الناعورة لابن الوردي وتخلى الشعراء عن القصائد الطوال ولجؤوا الى المقطوعات الصغيرة وأخلوا بقواعد اللغة.
أما النثر الادبي في هذا العصر فقد اتبع السهولة في العبارة واستخدم الجمل الطويلة المترابطة وظهر مفكرون من أمثال ابن خلدون اهتموا بايصال الفكرة بابسط اسلوب وابتعدوا عن استخدام المفردات الغريبة او السجع الذي لامبرر له وجعلوا همهم التعبير عن افكارهم , وخير مثال على ذلك كمؤلف ابن خلدون "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر" ويقع في عدة أجزاء اهمها مقدمته التي احتوت على فكر فلسفي تاريخي اجتماعي لتطور الامم ومراحل نشوئها وانهيارها ويعتبر ابن خلدون مؤسسا لعلم الاجتماع , وكان لابد ان يستخدم نمطا من اللغة السهلة كي يعبر عن هذه الافكار الجديدة والنص التالي يشير الى ذلك:
"من أشد الظلامات واعظمها في افساد في العمران تكلف الاعمال وتسخير الرعايا بغير حق .... واعظم من ذلك في الدولة وافساد العمران والدولة التسلط على اموال الناس بشراء مابين ايديهم بابخس الاثمان ".
وظهر ايضا في هذا العصر نوع آخر من الادب النثري هو السير الشعبية وهي نمط من القصص كتبها مغمورون من ابناء الشعب المسحوق وتعكس حال الوجدان الاجتماعي وجعلوا شخصياتها ابطالا يسعون الى تحقيق العدالة الاجتماعية ولو بالقوة , وقد لقيت مثل تلك القصص رواجا كبيرا بين عامة الناس الذين وجدوا فيها متروحا عما يلاقونه من ظلم ووعاء صبوا فيه رغباتهم الكامنة في التحرر والعدالة الاجتماعية ومن أمثال تلك السير سيرة عنترة , والملك الظاهر بيبرس والاميرة ذات الهمة وتغريبة بني هلال وحمزة البهلوان , وتعبر وصية الرشيد في سيرة علي الزيبق الى رغبة الوجدان الشعبي في ايجاد مجتمع عادل خال من الظلم والفساد وتروي الاسطورة الى تأثر الرشيد بالزيبق وافعاله فقرر كتابة وصية لاولاده يامرهم بالعدل بين الناس وهذا يدل بطبيعة الحال على ان السير لاتهتم كثيرا بالامانة التاريخية بقدر اهتمامها بترسيخ احلام الشعب المقهور.
ويشير اسلوب الكتابة في هذه السير الى انها الفت في عصور عباسية متأخرة بلغ فيها الانحطاط الادبي والفكري والاجتماعي أوجه وجعل كتاب السير المجهولون همهم ان تكون هذه القصص ملاحم اسطورية بسيطة يتناقلها الجوالون وتروى في مجالس السمر وتكون محرضا وثورة على الواقع الراهن الذي تميز بضعف الامة وتراخيها أمام الاعداء الطامعين وبروز التفاوت الطبقي الحاد بين طبقتي الاثرياء والفقراء , وتمتاز القصص الشعبية رغم ركاكتها بصدق العاطفة وملامستها لوجدان الناس.
لقد كان هذا العصر انحطاطا سببه الواقع الاجتماعي المزري وتنازع المصالح واطماع الامم الاجنبية في امتنا العربية والفقر الذي عانى منه اغلب الناس فأخذ الناس يبحثون عما ينسيهم واقعهم , وكان لابد لهذا كله ان يترك أثره على الادب.
ـ[أحاول أن]ــــــــ[12 - 10 - 2007, 01:41 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع المهم في تاريخنا الأدبي ..
وجدت ُ العنوان منصفا جدا , حيث يرى الكثيرون أن ذاك العصر منحدرا لكن ليس منحطا ,
فعلماء الأمة في عصر النهضة عيال ٌ على كثير ٍ من نتاج ِ عصر الانحدار ..
والبعض يقول إن التسمية بـ (عصر الانحطاط) ما جاءت إلا من المستشرقين المغرضين , وإن انحط الوضع السياسي , والاقتصادي , والاجتماعي , أوحتى الأدبي فقد كان هناك- كما تفضلتم- إلماعات وإبداعات فكرية ضخمة وقوية حاولت أن تدفع عجلة الأمة للأعلى في اتجاه معاكس لمنحدر الأوضاع العامة ..
بارك الله في فوائدكم ..