تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[رواية الادب بين الجاهلية وصدر الاسلام]

ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[07 - 11 - 2007, 12:17 ص]ـ

[رواية الادب بين الجاهلية وصدر الاسلام]

كان للشعر والشعراء في المجتمع القبلي الجاهلي قيمة لاتدانيها قيمة لان الشعر هو صوت القبيلة الناطق , وشعر القبيلة هو المنافح عنها في المفاخرات واسواق الادب , ومبارزات الشرف , وكانت ولادة شاعر جديد في القبيلة مبعثا على الاحتفال والتباهي فكان الناس يحفظون شعره ويروونه ويتناقلونه عبر العصور , وقد صحب كل شاعر من شعراء العصر الجاهلي راوية أو شاعر آخر يروي شعره وينشر أخباره ولم يتغير هذا التقليد حتى في صدر الاسلام وكثيرة هي أخبار المنازعات بين رواة شعراء النقائض , ولم يطلب الرواة مقابل روايتهم للشعر مقابلا ماديا بل كان همهم اعلاء شأن قبيلتهم او شاعرهم , وكانوا يكتفون بما يصيبون من النعم في مجالس الامراء او من شاعرهم نفسه , ولكن بعضهم كان ينفض عن شاعره اذا كان بخيلا أو فقيرا وكان الشاعر في تلك الحالة يضطر لراوية شعره بنفسه.

تعقدت الرواية فيما بعد ولم تقتصر على لزوم صحبة شاعر بعينه ورواية اشعاره بل تعدتها الى رواية أشعار المتقدمين والمتأخرين من الشعراء , وترسخ ذلك أكثر عند تراجع القيم القبلية وانتقال المجتمع من البداوة الى الحضارة , واستخدم الرواة مخزونهم المحفوظ لنقد الشعر في مجالس الادب , وتبيان الجيد من الردئ واظهار قيمة الشعراء الذين يتعصبون لهم , وساعد محفوظ الرواة الضخم على تكوين حس نقدي لديهم , وقد عمد بعضهم الى التوسع في النص الاصلي واختراع اضافات جديدة على القصيدة أو الأثر الادبي او نحلوا النص بمجمله ونسبوه الى شاعر بعينه , ثم تناقلوا النصوص حتى ليصعب التفريق احيانا بين النص الاصلي والنص المنحول , وان كان هذا يدل على شئ فانما يدل على ان من بين الرواة شعراء مفلقين , وقد لجؤوا الى هذه الطريقة في العصور المتقدمة للتباهي بكثرة مايروونه من الشعر والتفاخر بأن ماعندهم من بضاعة لايوجد منها لدى غيرهم , وقد يعود ذلك الى سببين اولاهما السعي الى الربح السريع باقتناص اعطيات الامراء الذين كانت بضاعة الشعراء المشهورين القدماء مطلوبة ونافقة لديهم , وثانيهما ان الظروف الاجتماعية او الاقتصادية لم تساعد الراوية الناحل على تكوين قامة ادبية مستقلة مشهورة تطاول قامة الاديب الذي يروي له , فاحترف الرواية وتفنن في النحل , ويمكن ان نقول ان نحل الشعر أفلح عندما كانت المادة التي تروى بعيدة العهد عن قائلها ولايستطيع تكذيب ماقيل على لسانه.

تميز الرواة في الجاهلية بقوة حافظة مدهشة , واستخدموا ذاكرتهم وقوة الحفظ لديهم في جمع اشعار البادية بسبب عدم وجود التدوين في ذلك الزمان وعدم توفر وسائله , وعندما انتقل المجتمع من مجتمع بدوي الى مجتمع مديني لم تنقطع صلة الرواة بباديتهم وبقيت البادية مصدرا لجمع الشعر وبقي الأعراب مرجعا لاغنى عنه عند رواة الشعر.

لم تقتصر الرواية في الجاهلية على الشعر وحسب بل تعدتها الى رواية المفاخر والمثالب والانساب وأيام العرب , وكانت أيام العرب ووقائعها وما يرتبط بها من شعر يتداولها القوم في مجالسهم.

كان الاسلام زلزالاً قلب كيانهم , وبدأ المجتمع يتمايز أكثر فأكثر بين مجتمع بدوي ومجتمع حضري رغم ان مثل هذا التمايز كان موجودا الى حد ما قبل الاسلام الا ان المجتمع الجاهلي لم يتخذ شكل دولة ونظام حكم بالمفهوم الاسلامي حتي في مجتمعه الحضري الا بعد مجئ الاسلام وتوطد اركانه لأن الاسلام كنظام حكم وحضارة ودولة يرتبط بالمجتمع المدني بكل مؤسساته رغم اعترافه بالخلفية القبلية البدوية العربية.

أخذ المصحف المبارك يصبح مرجعا في الاحكام , وحل شيئا فشيئا محل العادات البدوية الجاهلية وانشغل المسلمون في صدر الاسلام الاول في توطيد اركان الدين , ونشأت الحاجة في عصر الراشدين الى وجود اسناد قوي للرواية وليس مجرد نقل شفاهي وحسب لان الاحكام ينبغي ان تؤيدها حجة قوية , فنشأ تدريجيا مايسمى بالرواية الدينية وكانت هذه الرواية أكثر علمية وحرفية من الرواية الجاهلية الادبية فاحاديث المصطفى (ص) لم يكتفى بسماعها وقبولها على ذمة الراوي بل قلبت على وجوهها ومحصت على نواحيها وتم التفريق بين الصحيح والمكذوب منها , وكان ذلك نوعا من البحث العلمي التحقيقي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير