تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سجع الكهان]

ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[15 - 11 - 2007, 03:26 م]ـ

[سجع الكهان]

وجدت في المجتمع الجاهلي فئة عرفت باسم "الكهّان" , كانوا سدنة المعابد الوثنية , وادعى هؤلاء المعرفة بالغيب وان وسطاؤهم في ذلك من الجن وقد اعطاهم ذلك هالة من الفرادة والتميز والهيبة , وتقاطر الناس عليهم يستشيرونهم قبل السفر أو الزواج أو في الثار والقتال اوفي تفسير الاحلام أو غير ذلك من الشؤون الحياتية الاخرى , وكان المجتمع في ذلك الوقت يتقبل أمثال هذه المعتقدات لعدم توفر جهة أخرى تريحهم وتطمئن ارواحهم , وكان الكهان يستغلون ذلك استغلالا بشعا من أجل فرض آرائهم وسيطرتهم الروحية على المجتمع , ولو صدف وصح توقع الكاهن في حادثة ما فإن الناس يتناقلونها ويضخمون وقائعها ويبالغون في اعجابهم بالحدث المعجز وهذا ماجعل الناس يبدون تجاههم نوعا من الخشية الممزوجة بالاحترام , وكان من كهّان الجاهلية المشهورين: سطيح الذئبي , وشق بن مصعب الانماري , و المأمور الحارثي , والزرقاء بنت زهير , وطريفة الخير وغيرهم ممن لفت الاساطير اشكالهم وتصرفاتهم.

روي عن هؤلاء الكهان وفق ماتناقلته الاخبار والمدونات نوع من النثر عرف باسم "سجع الكهان" , وكان السجع وسيلتهم للتأثير في نفوس المستمعين اليهم وتزويق اقوالهم وصرف الناس عن جوهر الامر الى قشرته , واعتمدوا على مزج سجعهم بكلمات عن ظواهر الطبيعة دون ان ينسوا اضافة الكثير من الرموز والاشارات المبهمة التي ليس لها معنى.

لايعتقد ان ماوصلنا عن سجع الكهان صحيح كله بل هو منحول في معظمه وقد جرى نحله في عصور متأخرة لاغراض سياسية او اجتماعية او دينية , ولكن لاينبغي ان نسترسل بفكرة النحل والمنحول كي نغرق في استنتاج ان الجاهليين لم يعرفوا السجع بل المعتقد انهم عرفوه حقا , وقد روي ان رجلا أتى النبي (ص) فخاطبه بكلام مسجوع فقال له: اسجعا كسجع الكهان , وفي القرآن الكريم مايدل على وجوده ولما خيل للجاهليين ان ثمة مشابهة بين الاسلوب القرآني وسجع الكهان زعموا ان محمداً (ص) كاهن أو شاعر فجاء في القرآن:

"وماهو بقول شاعر قليلا ماتؤمنون , ولابقول كاهن قليلا ماتذكرون تنزيل من رب العالمين ".

تعمد الكهان الاغراق في التعمية على مقولاتهم واضفاء صيغ رمزية غير مفهومة عليها تحتمل التأويل لو حدث عكس ماتنبؤوا به حتى تميزوا بلون خاص من القول المسجوع المترادف القصير العبارة ذي النبرة الخطابية , ولو صح قليل مما وصلنا من النصوص المنسوبة اليهم لتبين انهم كانوا يعنون في رموزهم بالكواكب والرياح والغيم والبرق واستخدموها احيانا في القسم فمنهم من كانوا يعبد الكواكب السيارة ومنهم من كان يعبد الشجر او الطير , فكان القسم بهذه الاشياء يمنح النص نوعا من التوكيد او الموثوقية او الرعب. قال عزى سلمة الذي وصفه الجاحظ بانه أشجع الكهان:

والأرض والسماء، والعُقَاب والصَّقْعاء، واقعة بِبَقعاء، لقد نَفَّر المجدُ بني العُشَراء للمجد والثَّناء.

وقالت احدى الكاهنات تحذر قومها من غارة قادمة عليهم:

واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمُزْن الوادق، إنّ شجر الوادي ليأدو خَتْلاً، ويحرق أنياباً عُصْلاً. وإن صخر الطَّوْد ليُنذر ثُكْلاً، لا تجدون عنه مَعْلىً.

وهكذا جاء هذا السجع نوعا من الادب غير المفهوم وغير المترابط يحمل ايجاز العبارة ورمزية المعنى ولايمكن الاطمئنان الى صحة ماورد الينا منه , ولكنه على العموم لم يصمد أمام الشعر ولم يستطع منافسته في ضمائر الناس.

وادعى غير واحد من الكهان الالوهية في قومه , وقال احدهم لعشيرته:

مِن الملِك الأصهب، الغلَّاب غير المُغَلَّب، في الإبل كأنها الرَبْرَب.

لم يكن الكهان مقبولين لدى عامة الناس بل كانوا مصدر خوف وهاجس بالنسبة اليهم وهذا يفسر كيف تخيل الناس صورا مشوهة عنهم فقد كانوا يقولون عن سطيح الذئبي ان وجهه في صدره ويقولون عن شق بن مصعب انه نصف انسان او شطر منه ... الخ , وهذه الاشكال الاسطورية التي منحها الناس لهم تدل على مبلغ خوف المجتمع الجاهلي منهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير