[عصر الانحدار]
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[12 - 10 - 2007, 12:05 م]ـ
الادب في عصر الانحدار
اضطربت الاوضاع الاجتماعية والسياسية للمجتمع العربي بعد سقوط بغداد في ايدي المغول ولم تبق هناك حكومة مركزية يمكن الرجوع اليها ولو اسميا لتجميع كلمة المسلمين فبدأ المجتمع العربي مرحلة من أخطر مراحله حيث دب الضعف والتواكل وخرب التتار الثقافة والحضارة بكل همجية وحقد فلم يعد الناس امينين على انفسهم بعد ان كثرت الفتن والمكائد والانقلابات , ولم يكد العرب يخرجون من هذه الفترة الا وجاءتهم جحافل غزاة من نوع آخر انهم العثمانيون الذين مارسوا ظلما فادحا كان شديد الوطأة على الناس فكان هذا العصر عصر انحدار بكل المقاييس حيث ضعفت الهمم وتراخت العزائم وساءت الاخلاق وانقسمت اهواء الناس الى فسطاطين فمنهم من لحق بركب الشهوات والاباحة والتمتع في الدنيا ظنا منه انه سوف ينسى وضعه الاجتماعي القاسي لو تسلى عنه بما يشغله من لذائذ الدنيا , ومنهم من تعلق بحبائل الدين والاخلاق واسترجع امجاد الماضي وعاد الى السيرة النبوية وقصص الاولياء والصحابة مستوحيا منها منهجا لاصلاح المجتمع الفاسد والتجأ قسم من الادباء الى المدائح النبوية.
كان هذا العصر مصيبة من المصائب التي حلت بالادب والشعر فقد اتلف الغزاة عصارة الفكر العربي واحرقوا نتاج العقول النيرة وهدموا بمعاول التخريب مابناه فطاحل العلماء عبر مئات السنين فكان العرب حالهم في ذلك حال السفن التي فقدت دفتها وأخذت امواج النكبات تتقاذفها يمنة ويسرة.
وقف الادباء والشعراء مكتوفي الايدي ولم يكن همهم ان يتابعوا مسيرة الابداع بقدر ماكان همهم انقاذ مايمكن انقاذه من كنوز العرب التي اتلفت فبدأ كثير منهم بانتشال وتجميع التراث الضائع وسمي هذا العصر بعصر الموسوعات الكبيرة ومن منا لم يسمع بمعجم البلدان لياقوت الحموي ولسان العرب لابن منظور والكامل في التاريخ لابن الاثير ووفيات الاعيان لابن خلكان.
وقد لجأ الشعراء الى الدين يستعينون به في الصبر على محن العصر ويطلبون شفاعة الانبياء والاولياء فكثرت المدائح للكعبة المشرفة وللنبي محمد (ص) ولدين الاسلام متضرعين الى الله آملين ان يجدوا في الحياه الآخرة حياة أفضل من حياتهم الدنيا وقد امتازت القصائد الدينية بالجزالة وصدق العاطفة وجمال المعنى والمبنى فجاء البوصيري برائعته "قصيدة البردة" وهي قصيدة في مدح النبي محمد عارضها كثير من الشعراء ونسجوا على منوالها , ويقول فيها:
امن تذكر جيران بذي سلم ....... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
يالائمي في الهوى العذري معذرة ..... .. مني اليك ولو انصفت لم تلم
محمد سيد الكونين والثقلـ ـــــــــ ... ـين والفريقين من عرب ومن عجم
وقد شاعت امثال هذه القصائد نظرا لتزاحم المصائب على الناس واشتداد الظلم وعسف السلطة وحاجة الناس الى لقمة العيش فالتجؤوا الى خالق الاكوان طالبين حمايته ورافته كي يخلصهم من وضعهم المزري , وكان هذا الشعر شبيها بتيار الزهد والتصوف الذي نشأ في فترات سابقة ويمكن اعتباره امتدادا له.
وكثرت في هذه القصائد التي سميت بالبديعيات انواع وافانين من المحسنات البديعيةلم يالفها الناس سابقا. قال صفي الدين الحلي على منوال قصيدة البردة:
ان جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ........ واقر السلام على عرب بذي سلم
ابيت والدمع هام هامل سرب ...... والجسم في اضم لحم على وضم
وقد نزع بعض الشعراء الى الحكمة والتأمل هربا من العيش الثقيل ودعوا الى الزهد في شهوات الدنيا والتأمل في الحياة الفانية وأخذ العظة من حوادث الدهر فقال ابن الوردي الذي عاش حياته فقيرا محتاجا:
اعتزل ذكر الغاني والغزل ...... وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الدنيا لايام الصبا ...... فلايام الصبا نجم أفل
كتب الموت على الخلق فكم .... فل من جيش وافنى من دول
وكانت مثل هذه القصائد لسان حال المواطن العربي الفقير الذي رزح تحت ثقل الخطوب فزهد في حياته وبردت همته.
وقد برز في هذا العصر شعراء حاولوا ان يستنهضوا الهمم وان يرفضوا الظلم ويتغنوا بالحرية والكرامة وان يقدموا للناس صورة براقة عن القيم العربية الاصيلة وعن المجد القديم الذي يجب ان يعود من جديد , وعبروا عن الروح العربية الاصيلة الخالدة فقال الحلي:
¥