[كيف نشأ الشعر 3]
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[06 - 12 - 2007, 12:00 ص]ـ
[كيف نشأ الشعر 3]
خلق الله الانسان اجتماعياً بطبعه , ومنذ تكون الجماعات البشرية وتجمعها في مناطق وأكوار سعت الى ايجاد لغة تفاهم مبسطة فيما بينها وبقيت هذه اللغات تنمو وترتقي الى ان توصل الانسان الاجتماعي الى لغة تفاهم يستطيع ان يؤقلم بها حياته مع الجماعة التي يعيش وسطها لانه يحتاج في كل وقت الى التخاطب والتعامل مع أفراد الجماعة الاخرى , فلابد ان لغة التخاطب بين الافراد في الجماعة أو لغة المحادثة فيما بينهم أقدم من الشعر أو النثر وهذا منطقي لان الانسان قبل ان ينظم الشعر او يقول النثر كان عليه ان ينشئ أولا وسيلة للتفاهم , كانت لدى الانسان القديم عبارة عن أصوات مبهمة لم تلبث أن تطورت مع الزمن نتيجة تطور العلاقات الاجتماعية نفسها الى كلمات منسقة مرصوفة بدقة , وهنا بدات تتشكل اللغة ويتشكل المخزون اللغوي وكنز الكلمات لدى الشعوب , واللغة هي مخزون الكلمات ذات الدلالات العاطفية والفكرية فهي تعبير وجداني عن الأحاسيس الداخلية ووسيلة للخطاب , ونشأت اللغة لدى كل الشعوب والاعراق بطريقة مشابهة , وان اختلاف اللغات لايعزى إلاّ الى اختلاف البيئات والامكنة وطبيعة صراع الانسان مع البيئة , فالبيئة المحيطة هي اولا واخيرا منبع اللغة ومصنعها.
بعد تطور اللغة لدى البشر بحكم حاجاتهم الاجتماعية نمت حاجة انسانية أخرى هي التعبير عن الفكرة بالصوت العالي والغناء واعطاء هذا الصوت ترددات مختلفة علوا وانخفاضا للتلاؤم مع غاية الخطاب فكلام الحزن غير كلام الفرح وان حاجة الانسان الى التعبير عن مشاعره الداخلية هي حاجة فطرية خلقت معه , وقد أطلق الانسان القديم حنجرته بغناء ساذج وأخذت المعاني تخرج على أشكال من السجع المتناسق القريب الى الغناء , وقد نشأ الشعر مسايرا للغناء لأن الغناء بحد ذاته يتطلب كلاما موزونا مسجوعا مختصرا يتناسب واللحن , ثم بدا الناس يعرفون الفرق بين الكلام المغنى أو الموزون وبين الكلام المرسل بلا قافية ووزن.
تطورت الكلمات المسجوعة لدى العرب الجاهليين فقصروا الممدود ومدوا المقصور وعرفت لديهم الضرورات الشعرية وهي تطويع الكلمة بما يناسب الموسيقا من ترخيم وحذف وتسكين وتحريك .. الخ فصارت اللغة التي يشعر بها القوم أو يتغنون بها موافقة للنغم واللحن وهذا اول ظهور الاوزان الشعرية.
بعد أن قطع العرب مرحلة ما في استنباط الاوزان (سواء منها ما عرفناه لدى الخليل أم ما لم يصل الينا منها) أخذت عنايتهم تحتفي بالمعنى الشعري وانقضت مراحل ومراحل حتى تطور الشعر الى هذه الدرجة ممن الرقي التي نعرفها في الشعر الجاهلي. , وانت تستطيع ولاشك ان تلمح التأثير البيّن لأصوات الركوب على الناقة , ودق اوتاد المضارب , وصفير الرياح , وصوت ارتطام حليب الضرع بقعب اللبن على الاوزان الشعرية وبحور الشعر وسوف نفصل ذلك في دراسة مستقلة.
ان من الصعوبة بمكان تتبع المراحل الاولى لنشأة الشعر الجاهلي وأقدم ما وصلنا منه يعود الى مئة وخمسين عاما قبل الاسلام , ولايمكننا الركون الى نظريات المستشرقين الذين افترضوا ان السجع هو أصل الشعر الأول وجذره , وان الشعر الذي وصل الينا كان على درجة عالية من التطور حتى ان بعض الشعراء اعتبر ان السابقين قالوا كل شئ ولم يتركوا لهم الا تكرار المعاني , وقد قال زهير:
ماأرانا نقول الا معادا=ومعادا من قولنا مكرورا
وقال عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم=أم هل عرفت الدار بعد توهم
وقال ذو القروح:
عوجاعلى الطلل المحيل لعلنا=نبكي الديار كما بكى ابن حذام
أي ان أحدا آخر هو ابن حذام سبق امرأ القيس الى البكاء والوقوف على الاطلال.
يمكن لنا ان نسلم بأن الرجز من أقدم البحور الشعرية لدى العرب لانه الصق بحياة البدوي اليومية واستخدمه في حداء الابل وامتياح المياه من الآبار واغنيات الطواف حول الكعبة , ومن المنطقي ان يكون الأمر قد بدا مع البحور القصيرة لأن طبيعة الاشياء تفترض الانتقال من البسيط الى المركب ومن هنا نشأت التسميات المعروفة التي أطلقت فيما بعد في علم العروض على الاختصارات:
البحر القصير
المجزوء
المنهوك
المقتضب
المشطور ...... الخ
يتبع
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[06 - 12 - 2007, 10:39 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ........ وبعد
بارك الله فيكم اخي د. منذر (أبا عمر).
أشكر لكم جهودكم العظيمة المضنية وإهتمامكم الواضح لإيصال المعلومة , عني وعن جميع من قرأ ويسيقرأ مواضيعكم الرائعة الغنية.
واقبلوا عظيم الشكر والود والإمتنان والعرفان.
أخيكم رعد.
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[07 - 12 - 2007, 02:12 ص]ـ
أخي رعد يسعدني مرورك وتفضلك بقراءة الموضوع , وأشكر لك اطراءك الذي لاأستحقه , وتقبل حب أخيك.
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[07 - 12 - 2007, 02:40 م]ـ
تستحق كل الخير أخي د. منذر الزاوي (أبو عمر).
فأنتم من خيرة الأعضاء الذين يطرحون ولا ينقلون وأعلم كم من الوقت والجهد تكلفك تلك المقالات العذبة الغنية الرقيقة .... وهذا ليس مدح أو إطراء , هذه الحقيقة ويعلم الله ويعلم كل مثقف وكل عضو جاء ليرتوي من الأدب الحقيقي ...
فأنا أعلم أنكم من عائلة كريمة تعشق العلم والأدب ..
وأعتقد أن حسان علي عمران الزاوي هو ابن أخيكم كما يروي الإسم , وقد قرأت له أشعار تنم عن موهبة وثقافة وحب للأدب ...
وبارك الله فيكم وفي قدراتكم على العطاء وأدامك لنا وللأدب ذخرا ومنهلا ننتهل منه كل يوم ,
وسلمت لأخيك رعد.