تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحياة العقلية في المجتمع الجاهلي]

ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[10 - 11 - 2007, 03:37 م]ـ

[الحياة العقلية في المجتمع الجاهلي]

ان البحث عن الحياة العقلية عند الجاهليين في مجال العلم والفلسفة ليس الا ضرباَ من المبالغة والعبث فلم يكن يكن لهم قبل الاسلام علم أوالفلسفة بمعناهما الحالي لان الحياة البدوية والترحال المستمر لايسمح بتطوير علوم عقلية راقية فهي تحتاج الى مجتمع مدني مستقر وهذا مايفسر كيف تفوق التطورالعقلي في اليمن وامارتي الغساسنة والمناذرة عنه في المجتمع الجاهلي البدوي فقد كان لليمن آنذاك وللامارتين المام ببعض علوم الطب والعمارة والحساب ولاريب انها تأثرت بحضارتي الروم والفرس أما مجتمع البادية فقد انصرف الى الاهتمام بمظاهر الحياة العقلية التي لاتتعلق بالعلم التطبيقي مثل اللغة والشعر والامثال والقصص واقتفاء الاثر .. الخ ,وكانت معارفهم الادبية واللغوية على جانب من النضج والرقي , ولايمكن الاطمئنان الى الرأي القائل ان رحلتي الشتاء والصيف والتبادل مع المجتمعات الاخرى قد أرست بداية العلوم العقلية في مجتمع قريش لان المجتمع القرشي كان مجتمعاً تبادلياً استهلاكياً تجارياً حتى لو كان ارقى من مجتمع البادية.

إن عدم سماح المجتمع الجاهلي بنشوء وتطوير عقلية علمية لايعزى الى

قصور افراده او انخفاض مستوى الذكاء والمحاكمة العقلية لديهم ــ وهم المشهورون كما تبين الاخبار بالذكاء والفطنة ــ وليس لأن المجتمع مجتمع متخلف بطبعه بل لأن المعرفة هي وليدة الحاجة التي تفرضها البيئة , ولم تكن حاجاتهم في بيئتهم الصحراوية القاسية تتعدى الحاجة الى:

1 - معرفة مواقع النجوم , ويقال ان المعرفة بالنجوم انتقلت الى العرب عن طريق الصابئة الكلدانيين عبدة الكواكب , وهذا مايوضح التقارب بين اسماء البروج والكواكب في اللغتين العربية والكلدانية واشتهر من قبائل العرب بعلم النجوم: بنو حارثة بن كلب وبنو مرة.

2 – معرفة شئ عن الانواء والجو والسحب واوقات المطر , وتتناقل الاخبار قصصا عجيبة عن مدى دقتهم في معرفة انواع السحب الممطرة وانواع الرياح , والشعر الجاهلي يمتلئ باوصاف الرياح والسحب واسمائها , وفي فقه اللغة للثعالبي الكثير منها.

3 – معرفة طرف من الطب والبيطرة وبعض طرق العلاج البسيطة ومداواة السموم والجروح, ومن اقوالهم المشهورة: آخر الدواء الكي" , ولهم استنباطات غريبة في العلاج فقد كانوا يضعون الحلي في يد المريض كي لاينام ويسري السم فيه. يقول النابغة:

فبت كأني ساورتني ضئيلة ..... من الرُقش في انيابها السم ناقع

يسهد من ليل التمام سليمها ...... لحلي النساء في يديه قعاقع

وكانوا يعالجون الحول بادامة النظر الى حجر الرحى , ومن خرافات علاجهم ان المجروح اذا شرب فاضت نفسه وان المرأة اذا ذعرت فبرد قلبها سقوها ماء حارا , وكما اهتموا بمعرفة ادواء الدواب وعلاجها فكانوا مثلا يطلون الابل الجربى بالقطران , ويقول طرفة:

حتى تحامتني العشيرة كلها ..... وافردت افراد البعير المعبد

أي انه عزل كما تعزل الناقة الجرباء المطلية بالقطران عن بقية القطيع.

4 – معرفة الاستدلال بالهيئات والآثار على أخلاق وصفات الاشخاص (علم الفراسة) , وتروى عنهم قصص ليست كلها اختراعا وابتداعا , واشتهر من القافة بنو لهب , وبنو مدلج الناقة فقد قال الشاعر:

خبير بنو لِهب فلا تك ملغياً ..... مقالة لِهبيٍّ اذا الطير مرَّتِ

أما الزجر فهو الاستدلال باصوات الطير وحركاته على مجرى الحوادث وهو اعتقاد باطل مثله مثل الكهانة والعرافة التي انتشرت ايما انتشار لان الحياة في ذلك المجتمع كانت حياة محفوفة بالمخاطر التي تتهدد الانسان وكثيرا مالجأ العرب الى من يقرأ لهم مستقبلهم او يكتب لهم الرقى من كهانين وعرافين , واشهر الكهان: سطيح الذئبي , وسلمى الهمدانية , ومن اشهر عرافيهم عراف نجد السعدي , وعراف اليمامة رباح بن عجلة وفيهما يقول الشاعر:

جعلت لعراف اليمامة حكمه ........ وعراف نجد ان هما شفياني

أما بعض حكماء العرب فلم يعبأ بمثل هذه الباطيل كلبيد الذي قال:

لعمرك ماتدرى الطوارق بالحصى ........ ولازاجرات الطير ماالله صانع

وقد الم العرب ببعض المعارف عن الصناعات التي احتاجوها في حياتهم اليومية مثل صناعة ادوات القتال والدباغة والنسج واشهر بها عرب اليمن , فنقلها الجاهليون عنهم فكان يقال: سيف يماني , شملة يمانية ....

عندما جاء محمد صلوات الله عليه برسالة الاسلام سرعان ماانقلب كيانهم وانتقلوا من حال الى حال , ونشأ مجتمع جديد ونشأت بيئة جديدة حضرية كان لها حاجاتها التي فرضتها على ابناء المجتمع , كان لابد للدين الجديد من قاعدة حضارية للانتشار بين البشر , ومااسرع ماتشرب العرب حضارة من يجاورهم من الشعوب ونقدوها وطوروها وتفوقوا عليها واصبحوا بحق اساتذة البشرية في مختلف العلوم لاكثر من الف عام أما ما يتعلق بالقيم الروحية والحضارة الانسانية فان الاسلام منذ محمد (ص) كان معلم البشرية وسيبقى الى ان يرث الله الارض وما عليها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير