تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أثر الاسلام على الادب الجاهلي]

ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[28 - 10 - 2007, 11:01 م]ـ

************

************************

حاول محمد (ص) في صدر الاسلام جمع شتات القبائل العربية في امة واحدة دينها الاسلام ودستورها القرآن , ونادى بإبطال الشرك والوثنية وابطال اكثر المعتقدات والعادات التي كانت شائعة كشرب الخمر ووأد البنات والكهانة وزجر الطير .. الخ واحلال دين التوحيد باركانه المعروفة مكانها وفرض على المسلم فروضاً هي ابعد مايكون عما عرف الجاهليون قبل الاسلام.

وقد رسم الاسلام مثلا أعلى للانسان في حياته هو الخضوع لله والتمسك بمكارم الاخلاق واذابة المصلحة الشخصية في مصلحة الدين الواحد , العمل العظيم الذي قام به الاسلام هو محاربة الروح الجاهلية روح الحمية والتنابز بالالقاب والتفاخر بالانساب والقبيلة واوجد كائنا آخر اقوى من القبيلة هو الدين فجعل ولاءهم له.

وبذلك انقسم الجاهليون اول الامر على انفسهم فمنهم من هدى الله قلبه فتبع محمداً ودينه ومنهم من بقي على شركه ووثنيته وانقسمت العرب الى فئة تؤمن بالله وأخرى مشركة ظالمة واستخدم كلا الفريقين المتناقضين مايملكان من وسائل لاثبات رايهما ونشر افكارهما وكان للادب والشعر النصيب الاوفى في ذلك فالشعر في تلك الايام كان هو وسيلة الاعلام التي تنشر الخبر والفكرة والتأثير.

كان لابد لذلك ان يفرض تأثيره على الأدب والشعر فبدأ الشعر في صدر الاسلام يتأثر بالتعاليم الجديدة التي أتى بها محمد (ص) ولم يعد الشعراء المسلمون يلجؤون الى الهجاء المسف المقذع أو الى شعر الخمريات او التغزل الفاضح بالنساء بل انصرفوا الى مديح صاحب الرسالة والاشادة بما يمتلكه من مناقب وخصال وخلق عظيم:

نبي أتانا بعد يأس وفترة ..... من الرسل والاوثان في الارض تعبد

فامسى سراجا مستنيراً وهادياً ..... يلوح كما لاح الصقيل المهند

ونرى ايضا فخرهم بالدين الجديد وما يمثل من قيم:

الحمد لله الذي لم يؤتني أجلي ..... حتى لبست من الاسلام سربالا

ويتميز هذا الشعر بصدق عاطفة ونقاء وجدان هؤلاء الذين ارتبطوا بالاسلام ارتباطا مصيريا واحبوا رسوله وكانوا مستعدين للتضحية بكل ما يملكون في سبيله.

أما هجاؤهم للمشركين فكان ردا على شعراء المشركين الذين تناولوا الاسلام بالذم والقدح ولكنه كان هجاء شريفا خاليا من الاقذاع والفحش وانصب جام غضبهم على المشركين لانحرافهم عن الدين واعتبروها سبة كبرى فلم يتعرضوا لقبائل المشركين ولالاحسابهم فكل شئ يصغر امام جريمة الكفر. قال حسان

بن ثابت يرد على من هجا محمداً:

هجوت محمدا فاجبت عنه ..... وعند الله في ذاك الجزاء

اتهجوه ولست له بكفء ..... فشركما لخيركما الفداء

وكانوا الى جانب هجائهم للمشركين يرهبونهم بوصف بطولة المسلمين وجلادهم في القتال:

عدمنا خيلنا ان لم تروها ..... تثير النقع موعدها كداء

يبارين الاسنة مصعدات ..... على اكتافها الاسل الظماء

فاما تعرضوا عنا اعتمرنا ..... وكان الفتح وانكشف الغطاء

والا فاصبروا لجلاد يوم ..... يعز الله فيه من يشاء

اما جهادهم في سبيل الله فقد كان غاية مافوقها غاية فهو الطريق الى الجنة وحياة الخلد وهو السبيل الى مرضاة الله لذلك تسابقوا لبذل ارواحهم فداء لدينهم وبلغ من اخلاصهم لذلك انهم في ساعات الجهاد لايحسون بما حولهم:

اتيت رسول الله اذ جاء بالهدى ..... ويتلو كتاباً كالمجرة نيرا

وجاهدت حتى مااحس ومن معي ..... سهيلا اذا مالاح ثمت غورا

وافتخروا ببطولتهم في ساحات القتال وصبرهم على البلاء حتى انهم انكروا الوان الخيل لشدة ماسال عليها من الدماء وهذه الانفة وان كانت انفة الجاهلية الا انها كانت مرصودة للدفاع عن العقيدة والمنافحة عن الله ورسوله:

وانا لقوم ماتعود خيلنا ..... اذا ماالتقينا ان تحيد وتنفرا

وننكر يوم الروع الوان خيلنا ..... من الطعن حتى تحسب الجون اشقرا

وقال الحصين:

ويوم تسعر فيه الحروب ..... لبست الى الروع سربالها

فلم يبق من ذاك الا التقى ..... ونفس تعالج آجالها

وقال الآخر ايضاً:

وشد الله ركن نبيه ..... بكل فتى حامي الحقيقة باسل

واني لسهل للصديق وانني ..... لاعدل راس الاصعر المتمايل

كانت لغة الشعر في صدر الاسلام لاتزال بعيدة عن اللحن ولكنها تأثرت بمعاني القرآن الكريم فعذبت الفاظ الشعراء ورق اسلوبهم وظهر التأثير القرآني واضحا في أشعارهم بما ادخله من المعاني والصور التي لم تكن معروفة لدى البدوي الجاهلي قبل الاسلام وبما كان يملكه من البلاغة التي قهرت بلاغتهم الجاهلية.

ونتيجة لذلك ودون ان يشعروا أخذ الاثر القرآني يظهر جليا باقتباساتهم من القرآن وذكر الموت والحياة الآخرة والتقى وهذا ماجعل شعرهم يصبح ابعد عن الغرابة واكثر اقترابا من البساطة والسهولة وينطبع اكثر فاكثر بالطابع الدينى القرآني لفظا ومعنى , واسمع ابا ذؤيب الهذلي وهو يسلم بقضاء الله وقدره بعد فجيعته باولاده:

فغبرت بعدهم بعيش ناصب ..... واخال اني لاحق مستتبع

ولقد حرصت بان ادافع عنهم ..... واذا المنية اقبلت لاتدفع

واذا المنية انشبت اظفارها ..... الفيت كل تميمة لاتنفع

ولايخفى ان المعاني السابقة قد تأثرت بالآيات القرآنية من مثل "كل نفس ذائقة الموت" أو " اينما تكونوا يدرككم الموت ولوكنتم في بروج مشيدة".

واقتبس الحطيئة ايضا قصة سيدنا ابراهيم في قصيدته حين هم بذبح ولده ليطعم ضيفا طارقا.

واقتبس ايضا معن ابن اوس من القرآن حين قال قصيدته في خلافه مع ابن عمه الذي اساء اليه ولكنه كظم غيظه:

وصبري على اشياء منه تريبني ..... وكظمي على غيظي وقد ينفع الكظم

وأثر الاقتباس القرآني واضح ففي القرآن يقول تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".

وعلى العموم فان الاسلام بتعاليمه السمحة أزال غشاوة الجاهلية ورقق النفوس ورباها وابعدها عن الحيوانية والابتذال والحمية الجاهلية ونظم لهم حياتهم فالاسلام كان عقيدة ونظام دولة فنقل الناس من حال الى حال وامام هذا الانقلاب الكبير بل الزلزال في حياتهم كان من المستحيل ان لايتأثر شعرهم وطبيعتهم وعواطفهم واخلاقهم بالدين الجديد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير