(يُمْنَى يَدَي ّ)
ـ[أحاول أن]ــــــــ[01 - 12 - 2007, 06:11 ص]ـ
:::
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ..
(قراءة ذاتية في مرثية كعب الغنوي التي يرثي بها أخاه أبا المغوار)
في البدء:
متى نقول من عيون المراثي؟!
إلا إذا كان المرثيُّون عيونا!
وكيف نقرؤ ذاك الشعر؟!
إلا إذا علمتنا الحياة تلك اللغة!
لغة الندب , والتأبين , وصدق الرثاء ..
, , , ,
الأخوّة رباط ٌ رباني مقدس , لا تنفصم عراه بالهجر، ولا تضعف أواصره بالرحيل ..
وما أكثر بكاء الإخوة في تراثنا:المهلهل وكليب , الأعشى ومنتشر , الخنساء وصخر ... ومجموعة الإخوة الثكالى غير منتهية ..
ومنها هذه القصيدة التي قالها الشاعر المسلم: كعب بن سعد الغنوي , ذكره ابن سلام في طبقاته , وسئل عنه الأصمعي فقال: مرثية ليس في الدنيا مثلها ..
هي بائية ٌ مضمومة , وبكائية ٌ مكلومة ..
تقول سليمى: ما لجسمك شاحب ٌ ** كأنك يحميك الشراب طبيب ُ
إنه لا يعاني شحوبا جسديا وحسب يا سليمى! لَهان َ العرَض ُ , ولكنه بعد أبي المغوار يقاسي شحوبا نفسيا , وهذا من شديد المرض .. !
تتابع أحداث تخر من إخوتي ** وشيَّبن رأسي , والخطوب ُ تُشيب ُ
لعمري لئن كانت أصابت مصيبة **أخي والمنايا للرجال شعوب ُ ..
لقد كان أما حلمه فمروح ٌ **علينا , وأما جهله فعزيب ُ!!
حليم ٌ إذا ما سورة الجهل أطلقت **حبا الشيب للنفس اللجوج غلوب ُ
صفات لا محسوسة يبرع الشاعر في تحويلها لكائن حي متحرك .. مرئي ومسموع ..
خِلالٌ تستعصي على القياس والتحديد , لكن الرحيل يؤطّرها , والغياب يسطِّرها ..
وهذا لا يتحقق إلا لمثل أبي المغوار كما يراه أخوه: خيره مقيم ٌ بين مضارب الأرواح , وفضله ضارب ٌ بجذوره في أعماق الأعماق .. شره بعيد "عزيب ُ! " عاقل يغلب النفس "اللجوج " ويتحكم بسورة الطيش وهوى النفس ..
لأنه أخي .... وما أدراك من وما أخي؟!!!
أخي! ما أخي؟!! لا فاحش ٌ عند بيته ** ولا ورع ٌ عند اللقاء هيوب ُ
هو العسل الماذي ّ حلما ونائلا ** وليث ٌ إذا يلقى العدو َّ غضوب ُ
أخو شتوات ٍ يعلم القوم أنه ** سيكثر ما في قدره ويطيب ُ
حبيب ٌ إلى الزوار غشيان بيته ** جميل المحيا , شب َّ وهو أديب ُ
هوت أمُّه ما يبعث ُ الصبح غاديا!! ** وماذا يؤدي الليل حين يؤوبُ
هوت عرسُه ماذا تضمَّن قبرُه ُ **من المجد والمعروف حين يثيب ُ
إنه (مهيب الحضور مجيب النداء) , هو (العسل, الليث) , (الشاب ,الأديب) , (العفيف , المقدام)
(الحبيب , الجميل) (رائع الإصباح , بديع الإمساء) مثله لا بد أن أمه "تهوى " أدق ّ ما يحضره لها صباحا , وتعشق أرَق ّ َ ما يقوله لها مساء! ... "تهوى " كل ما يمت ّ له بصلة! والهوى يختلف عن الحب أنه قوة مسيطرة لا ترتبط بوقت , لا يبدؤها مسبب ولا ينهيها زوال سبب ..
هذا أبو المغوار عند أهله وخاصته .. فكيف كان عند "الرجال " تأملوا هيبة الحضور والحضور حتى في الغيبة:
إذا ما تراءته الرجال تحفظوا ** فلم تنطق العوراء وهو قريب ُ
فتى لا يبالي أن يكون بجسمه **-إذا نال خلاَّت الكرام ِ- شحوب ُ
حليف الندى , يدعو الندى فيجيبه **قريبا ويدعوه الندى فيجيب ُ
فتى أريحي ٌ , كان يهتز ّ للندى ** كما اهتز من ماء الحديد قضيب ُ
كعالية الرمح الرديني لم يكن ** إذا ابتدر الخير الرجال يخيب ُ!
مفيدٌ , ملقي الفائدات, معاود **لفعل الندى والمكرمات كسوب ُ
ترى عرصات الحي تمسي كأنها ** إذا غاب!!!! لم يحلُل ْ بهن عريب ُ
يترنَّح المعنى الملتاع , وتتأرجح ُ الفكرة ُ الثكلى .. فمن أقصى الشجاعة لأبهى الكرم , من أعلى الهيبة لأغلى العطاء ,, يذهب الشاعر ويعود لذات الأفكار , ويدور في نفس الدائرة .. لكن لا بأس , لا تثريب عليه؛ "فما انسدَّت الدنيا عليه لضيقها!! "
ليته يعود! ليت الموت خطفه رهينة! ثم طلب ما يشاء فدية له! إذن لافتداه: بم َ؟ بالمال؟ بكل ما لا تمله النفوس؟ بالعينين؟ باليدين "كلا لأنه أكرم من أن يذكر اليسرى معه فلن يفتديه إلا بما يشبهه: اليد اليمنى .. كما كان الراحل دوما "يدا يمنى "!
فلو كان ميتا يُفتدى لافتديتُه ُ** بما لم تكن عنه النفوس تطيب ُ
¥