[كيف نشأ الشعر 2]
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 02:45 ص]ـ
[كيف نشأ الشعر 2]
قال قدامة بن جعفر " الشعر قول موزون مقفى يدل على معنى" , ويدل هذا القول ان قدامة ميز الشعر عن النثر بقافية ووزن , ولم يتعد هذا المفهوم , أما ابن خلدون فاعطى تعريفا اشمل للشعر فقال: " الشعر هو الكلام المبني على الاستعارة والاوصاف والمفصل باجزاء متفقة في الوزن والروي مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده الجاري على اساليب العرب المخصوصة به " , وهو يضيف على ميزتي الوزن والقافية لدى قدامة ميزة أخرى هي اعتماد الشعر على الاسلوب واستقلالية كل بيت عن الآخر بالمعنى , وفي العصور المتقدمة حيث تراكمت الخبرات الانسانية امكن اعطاء تعريف اكثر شمولية للشعر هو: "الشعر فن وسيلتاه الالفاظ والموسيقا يعبر عن تجربة الانسان في كل عصر" , ويقصد بالتجربة الانسانية صراع الانسان مع البيئة المحيطة وما يفرزه ذلك من مشاعر وعواطف وانفعالات.
وبغض النظر عن هذه التعريفات المتفرقة فان الشعر لدى كل شعوب الارض هو نوع من الفنون التي تؤثر على العواطف والمشاعر لذلك هو شئ آخر غير النثر , والشعر بما له من موسيقا ووزن وتراصف كلمات وايجاز ابعد عن العقل وأقرب الى العاطفة , وأقدر على اصابة المعنى بايجاز العبارة , فالنثر مطيته الفكر لأنه أقدر على الاسترسال واقدر على التحرر من اغلال الوزن والجرس , ورغم ان السجع بحد ذاته نوع من مقاربة النثر للشعر الموزون ولكنه ليس شعرا , أما الشعر فمطيته الخيال والابداع والاختراع , وفي الوقت الذي يعبر فيه الشعر عن التجربة الانسانية بايجاز ساحر نجد النثر يعبر عن نفس التجربة بتحليلها تحليلا عقليا علميا , ولو ان الشعر نهج هذا المنهج لاقترب من النظم الجاف الفج فليس كل نظم شعرا في حين ان كل شعر هو نظم.
اذا ما هو هذا الذي يفرق الشعرعن النظم أو عن النثر انه ولاشك المبالغة الشعرية أو الخيال الشعري أو الابداع , وابداع الشاعر هو اختراعه لحلة تعبيرية مزوقة يلبسها جسد المعنى الشارد , واستمع الى المتنبي وهو يقول:
كأن الهام في الهيجا عيون ..... وقد طبعت سيوفك من رقاد
وقد صغت الاسنة من هموم ...... فما يخطرن الا في الفؤاد
وانظر كيف تحدث عن تدحرج الرؤوس بيد سيف الدولة في المعركة وعن دقة رميه اذا رمى فالرؤوس كالعيون وسيوف سيف الدولة هي نومها , واسنته صيغت من الهم فهي لاتستقر الا في القلب , ومثل هذا الوصف الخيالي الابداعي جعل صورة المعركة حية رائعة متجددة , ولو اننا نزعنا عن الشعر ثوبه الخيالي أو مبالغته الشعرية لاقترب من النظم المترادف الذي لانكهة له ولارائحة.
ان الشاعر المبدع هو الشاعر الذي سلم له الخيال قياده وارخى له عنانه , وكلما ابتعد الشاعر عن الابداع والخيال والصور المخترعة قلت جودة شعره حتى قيل قديما "اجمل الشعر أكذبه" , وقال البحتري معارضا اقحام الفكر والمنطق في دولة الشعر:
كلفتمونا حدود منطقكم ..... والشعر يغني عن صدقه كذبه
ولايقصد بالكذب هنا الا تجميل الفكرة أو العاطفة بخيال الشاعر.
ان عناصر الشعر: الوزن والقافية والموسيقا والخيال هي ادوات تعبيرية عن معان مستقاة من معاناة الانسان وتجاربه وصراعه مع الوسط المحيط , وان رحلة الشعر لدى كل شعوب الارض هي رحلة هذا المزيج الفريد بين تلك الادوات التعبيرية والمعنى الانساني الكفاحي وهي رحلة شاقة معقدة لم تولد كاملة بل بدأت بابسط صورها وتقدمت مع تقدم الانسان وتراكم تجربته الحياتية المنقولة عبر الاجيال.
وان رحلة الشعر الجاهلي حتى وصل الينا بالشكل الذي نعرفه هي تجربة انسانية نادرة لابد من التوقف عندها بقليل من التروي لان ما لدينا من معلومات قليل جدا , ولكن تبقى لدينا المناهج العلمية في التحليل والاستقراء والاستنتاج وهي سوف تسمح لنا باستنباط بعض ما في هذه الرحلة الصعبة من جمال وقيمة.
يتبع
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 11:11 ص]ـ
شكر الله لك أخي د. الزاوي لمثابرتك على هذه الجهود الكبيرة وجعلها الله في ميزان حسناتك ونفعنا الله بها وننتظر مزيد احسانك.
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 11:32 ص]ـ
الاخ العزيز أحمد
انت دوما سبّاق الى المكارم. أشكرك على تكرمك بتخصيص جزء من وقتك للاطلاع على مساهمتي المختصرة.