فخاض شراباً بارداً في زجاجة=وطرح فيه سلوة وسقانيا
فقلت ومرضى الناس يسعون حوله=أعوذ برب الناس منك مداويا
فقال شفاء الحب أن تلصق الحشا=بأحشاء من تهوى إذا كنت خاليا
ـ[خالي مشاعر]ــــــــ[30 - 01 - 2008, 01:33 ص]ـ
السلام عليكم ورحمهُ الله وبركاته
عُوفيتم لتلك الروائع اللتي يزهى بها القلب
وتنتشل منّا ماتنتشل.
عذبةٌ أنتي
عذْبَةٌ أنتِ كالطُّفولةِ، كالأحلام=كاللّحنِ، كالصباحِ الجديدِ
كالسَّماء الضَّحُوكِ كالليلةِ القمراءِ=كالوردِ،كابتسامِ الوليدِ
يا لها من وَداعةٍ وجمالٍ=وَشَبَابٍ منعَّمٍ أُمْلُودِ
يا لها من طهارةٍ، تبعثُ=التقديسَ فِي مهجة الشَّقيِّ العنيدِ
يا لها رقَّةً تَكادُ يَرفُّ الوَرْدُ=منها فِي الصخْرةِ الجُلْمُودِ
أيُّ شيء تُراكِ؟ هل أنتِ فينيسُ=تَهادتْ بين الورى مِنْ جديدِ
لتُعيدَ الشَّبابَ والفرحَ المعسولَ=للعالَمِ التَّعيسِ العميدِ
أمْ ملاكُ الفردوس جاءَ إلى=الأرضِ ليُحييِ روحَ السَّلامِ العهيدِ
أنتِ، ما أنتِ؟ أنتِ رسمٌ جميلٌ=عبقريُّ مِنْ فنِّ هذا الوجودِ
فيكِ ما فيه من غُموضٍ=وعُمْقٍ وَجَمالٍ مقَدَّسٍ معبودِ
أنتِ، ما أنتِ؟ أنتِ فَجْرٌ من=السّحرِ تجلّى لقلبيَ المعمودِ
فأراه الحياةَ فِي مُونِقِ الحُسْن=وجلّى له خفايا الخلودِ
أنتِ روحُ الرَّبيعِ، تختالُ فِي=الدّنيا فتهتزُّ رائعاتُ الورودِ
وتَهُبُّ الحياةُ سكْرَى من العِطْر=ويدْوي الوجودُ بالتَّغْريدِ
كلما أبْصَرَتْكِ عينايَ=تمشين بخطوٍ موقَّعٍ كالنّشيدِ
خَفَقَ القلبُ للحياة، ورفّ=الزّهرُ في حقل عمريَ المجرودِ
وانتشتْ روحيَ الكئيبةُ بالحبِّ=وَغنَّتْ كالبلبلِ الغرِّيدِ
أنتِ تُحيينَ فِي فؤاديَ ما قدْ=ماتَ فِي أمسيَ السَّعيدِ الفقيدِ
وَتُشِيدينَ فِي خرائبِ روحي=ما تلاشى فِي عهْديَ المجدودِ
من طموحٍ إلى الجمال إلى=الفَنِّ، إلى ذلك الفضاءِ البعيدِ
وَتَبُثِّينَ رقّةَ الشّوقِ، والأحلامِ=والشّدوِ، والهوى، فِي نشيدي
بعد أن عانقتْ كآبةُ أيَّامي=فؤادي، وألجمتْ تغريدي
أنتِ أنشودةُ الأَناشيدِ غنّاكِ=إله الغناءِ، ربُّ القصيدِ
فيكِ شبّ الشَّبابُ، وشَّحهُ السِّحْرُ=وشدوُ الهوى، وَعِطْرُ الورودِ
وتراءى الجمالُ، يَرْقُصُ رقْصاً=قُدُسِيّاً، على أغاني الوجودِ
وتهادتْ فِي أفْق روحِكِ أوْزانُ=الأغَاني، وَرِقّةُ التّغريدِ
فَتَمايلتِ في الوجودِ، كلحنٍ=عبقريِّ الخيالِ حُلوِ النَّشيدِ
خطواتٌ، سكرانةٌ بالأناشيد=وصوتٌ، كَرَجْعِ نايٍ بعيدِ
وَقوامٌ، يَكَادُ يَنْطقُ بالألحان=فِي كلِّ وقفةٍ وقعودِ
كلُّ شيءٍ موَقَّعٌ فيكِ، حتّى=لَفْحَةُ الجيدِ، واهتزازُ النّهودِ
أنتِ، أنتِ الحياةُ، فِي قدْسها=السَّامي، وفي سِحْرها الشَّجيِّ الفريدِ
أنتِ، أنتِ الحياةُ، فِي رِقّةِ=الفجر وفي رونق الرَّبيعِ الوليدِ
أنت، أنتِ الحياةُ، كلَّ أوانٍ=فِِي رُواءٍ من الشَّبابِ، جديدِ
أنتِ، أنتِ الحياةُ، فيكِ وفِي=عيْنَيْكِ آياتُ سحرها الممدُودِ
أنتِ دنيا من الأَناشيدِ=والأحْلامِ والسِّحْرِ والخيال المديدِ
أنتِ فوقَ الخيالِ، والشِّعرِ، والفنِّ=وفوْقَ النُّهَى وفوقَ الحُدودِ
أنتِ قُدْسي، ومعبدي، وصباحي=وربيعي، ونَشْوَتِي، وَخُلودي
يا ابنةَ النُّور، إنَّني أنا وحْدي=من رأى فيكِ رَوْعَةَ المَعْبُودِ
فدعيني أعيشُ فِي ظِلِّك العذْبِ=وفِي قُرْبِ حُسْنِكِ المَشْهودِ
عيشةً للجمال والفنّ والإلهام=والطُّهْر، والسَّنى، والسُّجودِ
عيشةَ النَّاسِكِ البَتُولِ يُنَاجي=الرّبَّ في نَشْوَةِ الذُّهولِ الشَّديدِ
وامنحيني السلامَ والفرحَ=الرُّوحيَّ يا ضَوْءَ فجْريَ المنشودِ
وارحميني، فقد تهدّمتُ فِي=كونٍ من اليأْسِ والظَّلامِ مَشيدِ
أنقذيني من الأسى، فَلَقَدْ=أمْسَيتُ لا أستطيعُ حملَ وجودي
في شِعَابِ الزَّمان والموت أمشي=تحت عبءِ الحياة جَمَّ القيودِ
وأماشي الورَى ونفسيَ=كالقبرِ، وقلبي كالعالم المهدُودِ
ظُلْمةٌ، ما لها خِتامٌ، وهوْلٌ=شائعٌ فِي سكونها الممدودِ
وإذا ما اسْتخفّني عَبَثُ=النَّاس تبسَّمتُ فِي أسَىً وجُمُودِ
بَسْمَةً مُرّةً، كأنِّيَ أستلُّ=من الشَّوكِ ذابلاتِ الورودِ
وانْفخي فِي مَشَاعِري مَرَحَ=الدُّنيا وشُدِّي مِنْ عزميَ المجهودِ
وابعَثي فِي دَمِي الحَرارَة، عَلِّي=أتغنَّى مع المنى مِنْ جَديدِ
وأبثُّ الوُجودَ أنْغامَ قلبٍ=بُلْبُليٍّ، مُكَبَّلٍ بالحديدِ
فالصَّباحُ الجميلُ يُنعِشُ=بالدِّفْءِ حياةَ المحطَّمِ المكدودِ
أنْقذيني، فقد سئمتُ ظلامي=أنقذيني، فَقَدْ مَلِلْتُ ركودي
آه يا زهْرتِي الجميلةَ لو تدرينَ=ما جدَّ فِي فؤادي الوحيدِ
فِي فؤادي الغريبِ تُخْلَقُ أكوانٌ=من السّحر ذاتُ حُسْنٍ فريدِ
وشموسٌ وضّاءةٌ ونُجُومٌ=تَنْثُرُ النُّورَ فِي فَضَاءٍ مديدِ
وربيعٌ كأنّه حُلُمُ الشّاعرِ=فِي سَكرة الشَّباب السَّعيد
ورياضٌ لا تعرف الحَلَك الدَّاجي=ولا ثورةَ الخَريفِ العتيدِ
وَطُيورٌ سِحْرِيَّةٌ تتناغَى=بأناشيدَ حُلْوةِ التَّغريدِ
وقصورٌ كأَنَّها الشَّفَقُ المخضُوبُ=أو طلعةُ الصَّباحِ الوَليدِ
وغيومٌ رَقيقةٌ تتهادى=كأَباديدَ مِنْ نُثَارِ الورودِ
وحياةٌ شِعْريّةٌ هي عندي=صُورةٌ مِنْ حَياةِ أَهْل الخلودِ
كلُّ هذا يَشِيدُهُ سِحْرُ=عينيكِ وإلهامُ حُسْنِكِ المعبودِ
وحرامٌ عليكِ أَنْ تهدمي ما=شَادهُ الحُسْنُ فِي الفؤاد العميدِ
وحرامٌ عليكِ أَنْ تَسْحَقي=آمالَ نفسٍ تصبو لِعَيشٍ رغيدِ
منكِ ترجو سَعَادَةً لم تجدْهَا=فِي حياةِ الوَرى وَسِحْرِ الوجودِ
فالإلهُ العظيمُ لا يَرْجُمُ العَبْدَ=إذا كان فِي جَلال السُّجودِ
*أبو القاسم الشابي
¥