تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و المثال الثالث من المقامة السادسة، يقول فيها الحريري: ((و استعنت بقاطبة الكتاب، فكل منهم قطب و تاب))، فانتقده ابن الخشاب في استعمال ((قاطبة مضافة إلى ما بعدها و تعريفها به، و إدخال حرف الجر عليها يدل على جهله بعلم النحو، وأنه كان مقصرا جدا ن لأن العلماء بالعربية لا يختلفون في أن قاطبة لا تستعمل إلا منصوبة على الحال، غير مقتصر على موضع واحد،كذا نطقت بها العرب و لا تستعملها فاعلة،و لا مفعولة،و لا مجرورة، و لا مضافة،و معرفة باللام.و مثلها طرا و كافة، فلا يقال: طر القوم، و لا كافة القوم، قال تعالى: ((و ما أرسلناك إلا كافة للناس)) -سورة سبأ/28 – و قولهم كافة الناس، كلام مولد ليس بعربي محض، و هو اسهل من استعمال الحريري ((بقاطبة الكتاب))، و طرا و قاطبة لا ينصرفان، و هما في موضع المصدر، و لا يكون معرفة.و أظن أن ابن الحريري قد لحن في استعمال قاطبة و أخواتها ن كما استعملها هو.و كان قد حكى مذهب العرب و النحاة في كتابه: درة الغواص في لحن الخواص، إلا أنه ((خالف إلا ما نهى عنه سهوا، أو لأنه عرفه بعد وضعه المقامات على الخطأ)) [16]. و استخدام الحريري لكلمة قاطبة مجرورة و مضافة في نفس الوقت ليس بصحيح، لأن قاطبة لا تأتي إلا حالا، و هي من نوع الحال المؤكدة لصاحبها، فنقول: جاء الناس قاطبة و كافة أو طرا. و لم نجد في كتب النحو و اللغة أن كلمة قاطبة تستعمل مضافة أو مجرورة [17].

و المثال الرابع يقول فيه الحريري: ((بمخلبه الأشغى [18]، يغول [19] و نابه)) [20] لكن ابن الخشاب يرى أن ((الشغى لا يكاد يستعمل في المخلب، و الاستعمال الصحيح في الشغى و هو اختلاف النبتة،إنما يكون في الأسنان، و استعماله في منسر العقاب لطول الأعلى على الأسفل فهما مختلفان، إلا أن هذا الاستعمال أسهل من قوله: على النقيصة و الشغى. لأنه توهم أن الشغاة زيادة، فاستعمله استعمالها، و للغة أوضاع مخصوصة في الاستعمال، إذا خرجت عنها لم تكن عربية)) [21]. و استخدام الحريري لكلمة الشغي للدلالة على الزيادة في مخلب العقاب لا يصح، لأن لفظة الشغى تطلق على السن الشاغية، و هي الزائدة على الأسنان التي تخالف نبتتها نبتة غيرها من الأسنان، فيقال: رجل أشغى، وامرأة شغواء. و قد أخطأ الحريري في استعماله لهذه الكلمة من وجهين: الأول أراد إثبات صفة إيجابية للعقاب باستخدامه لفظة الأشغى، في حين هي تحمل صفة سلبية. و الثاني أنه كان يعتقد أن معنى الزيادة في هذه الكلمة، هو النمو غير أنها فبي الواقع تدل على مخالفة الأصل [22].

و في المثال الخامس انتقد ابن الخشاب ما قاله الحريري-في المقامة الثالثة و العشرين -: ((حين يرتوي مني و يلتقح))، لأنه ((لا يستعمل التقح في معنى قبل اللقاح.و المعروف في القحتها، و لقحتها، لقحت، ومنه للاقح، و اللواقح. و الملتقح غير معروف)) [23].و استخدام فعل التقح للدلالة على اللقاح غير وارد في كلام العرب، وإنما الوارد هو: ألقح الفحل الناقة، وألقح الريح السحاب، و رياح لواقح، وناقة لاقح، و نوق لواقح و لقّح، و لقت لقاحا، ولقحا، وتلقحت، و ألقحها الفحل،و لقحها، و لقوح درور،و هي الحلوب [24].

و المثال السادس انتقده في المقامة السادسة و العشرين عندما قال: ((فتعارفنا حينئذ و حفت بي فرحتان ساعتئذ))، و بين أن السجعتين واحدة لأن ((إذ فيهما كلمة واحدة، فلا فرق بين إضافة الحين و الساعة،و الليلة و اليوم،و غير ذلك مما تجب إضافته من أسماء الأزمنة إليها، فلا معنى يجعلها قرينة إلا على تأويل أنها صارت مع ما قبلها كالفظة الواحدة)) [25].و مما يشترط في السجع أن تكون الألفاظ المسجوعة مختلفة المعنى، و أما إذا كانت على معنى واحد فهي تكرار لا طائل من ورائه، و قد استعمل الحريري كلمتي: حينئذ، و ساعتئذ، على أساس أنهما مختلفتان في المعنى، وإذا ما رجعنا إلى كلام العرب نجد أن اللفظتين تستعملان للدلالة على معنى واحد، و لهما في الإعراب نفس الحكم [26].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير