لسنا هنا في وارد عرض تاريخ لهؤلاء بل لتبيان أمرين اولهما ان السجع كان موجودا في المجتمع الجاهلي لاشك في ذلك , ودليلنا كثرة الاخبار المتواترة عنهم والتي ذكرها غير أثر من آثار الاقدمين كالجاحظ وابن كثر وابن قتيبة وخطب العرب.
وثانيهما ان كثيرا منه نحل فيما بعد ولو قرأنا نصوصهم قراءة متأنية لوجدنا ان النحلة والوضّاعين فيما بعد قلدوا النص القرآني وصاغوا عبارات بعينها نسبوها الى سجع الكهان دافعهم في ذلك اثبات ان القرآن ليس كتاب الله وان محمدا (ص) قلد الكهان عندما صاغ عبارات القرآن قد انتشر مثل هذا النوع من النحل في فترة النزاع العربي الشعوبي حيث انتشر الزنادقة وعبدة النار وآخرون مدفوعين بحقد اسود على الاسلام واهله , ولعلنا نلمح الكثير من مبشري الديانات الاخرى يعودون الى نفس النصوص المنحولة محاولين خلق نوع من المشابهة والمقابلة بين السجع الجاهلي المشكوك بأمره وبين الآيات القرآنية.
ويبدو الأثر القرآني واضحا على كثير من نصوص السجع التي وصلتنا وهو مايدل على اقتباس الوضّاعين من القرآن لاختراع العبارات المنسوبة الى الكهان اما من الناحية الفنية فالتقليد مشوه ولايلحق بغبار بلاغة القرآن , وان ناقدا يمتلك قليلا من البصيرة والعين الناقدة يستطيع اكتشاف الامر , وفيما يلي بعض الامثلة على ذلك:
قال عوف بن ربيعة في وصف يوم البعث:
" يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون"
وقال (شق بن صعب) في وصف ذلك اليوم:
"يوم تجزى فيه الولايات، يدعى فيه من السماء بدعوات، يسمع منها الأحياء والأموات، ويجمع فيه الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات "
ويقول ايضا:
"ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، أن ما أنبئك به لحق، ما فيه أمض".
وجاء في حديث الكاهنة زبراء:
"واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمُزْن الوادق، إن شجر الوادي ليَأْدُو خَتْلاً، ويَخْرُق أنيابًا عُصْلاً، وإن صخر الطَّوْد لَيُنْذِر ثُكْلاً، لا تجدون عنه مَعْلاً".
والاثر القرآني واضح لاريب فيه , فمن اين لهم معرفة بيوم العقاب والحساب والنشور والبعث والسماء المرفوعة , ولايدل ذلك الا على تأثر الوضّاعين الحاقدين على الاسلام بالنص القرآني واختراعهم لهذه النصوص لاثبات ان القرآن تقليد لسجع الكهان وان محمدا ليس صاحب رسالة , ويعتقد ان هؤلاء قد نشطوا في العصر العباسي الاول حيث بلغ التدوين والوراقة مبلغا من التطور كان يسمح بنسخ النصوص المنحولة ونشرها بين الناس.
اما ان القرآن يستخدم السجع في عباراته فهذا لايعيب القرآن ولايقدم دليلا انه تقليد لسجع الكهان فلم يقتصر استخدام السجع على الكهان وحدهم بل عمد خطباء العصر الجاهلي ــ وحتى الشعراء منهم ــ الى الكلام المسجوع لما فيه من الايجاز واصابة المعنى والتأثير في نفس المخاطب , والقرآن نزل بلسان عربي مبين بلغة يفهمها اهل العصر وقريبة الى قلوبهم.
ـ[ابوروان]ــــــــ[16 - 11 - 2007, 10:37 م]ـ
الحمد لله الذي وضع لنحالين امثالك من اهل العلم يردوا كيدهم الى نحورهم ..
وجزاك الله عنا خيرالجزاء .. وبارك الله فيك على ماقدمت .. ودمت ..
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[17 - 11 - 2007, 12:50 ص]ـ
اخي ابا روان
اشكرك على مرورك الكريم وقراءتك للموضوع , وهو موضوع ذو شجون وتفرعات كثيرة ولايمكن لنا في مثل هذا المقام الا ان نقدم مادتنا مختصرة على هذه الشاكلة.
دمت معافى بنعمة من الله