ويصح في أصل (شيطان الشعر) معنى آخر, وهو أن يكون العرب جازوا لفظ (الشيطان) من معنى نزّاع الماء المكنون في البئر إلى معنى (اللسان) الذي ينزع الكلام المكنون من الجوف, وذلك لجامع شدة الحركة والسرعة. فالشيطان أي النزّاع يراوح بين يديه ليشطن الحبل وهو بين راكع مرة و رافعٍ مرة أخرى في حركة سريعة شديدة. وكذلك اللسان إذا سهل الكلام عليه من غير فتور فهو شديد الحركة، سريع بين قبض وبسط. فقالوا على الحقيقة في صفة رجل (هذا شيطان الشعر من الشعر) أي (هذا نزّاع الماء من البئر). ثم جازوا الجملة وهم يصفون اللسان فقالوا (هذا شيطان الشعر من الشعر) أي (هذا نزّاع الكلام المنظوم من الجوف)،وهم يريدون اللسان. ومما يقوِّي هذا المذهب في معنى (شيطان الشعر) أن لفظ المائح جاز إلى معنى اللسان، والمائح في أصله هو الرجل يدخل في البئر ليميح ماءها إذا قلّ، فلا عجب إن جاز الشيطان وهو الرجل الذي يشطن ماء البئر بالشطن إلى معنى اللسان أيضاً. (32)
وختامًا أرجو أن يكون ارتباطنا بالشعراء ارتباطاً مجازياً لا يتعدى صلتنا بالنبوغ، وسعة الذاكرة، وسرعة البديهة، والجمال والتذوق والإبداع،وأن لا يصل بنا المطاف إلى تلك الأمور غير المرئية لأنه من التجاوز أن ننسب فضل الموهبة لغير الخالق ... ولأثر ذلك بقية.
بدر بن علي العبد القادر
badrali176***********
(1) للاستزادة انظر: الفن ومذاهبه في النثر العربي، د. شوقي ضيف، دار المعارف، مصر، الطبعة التاسعة،1980: ص 38 - 41،417 - 423.
(2) للاستزادة انظر: المزهر في علوم اللغة وآدابها، جلال الدين السيوطي، تحقيق: فؤاد علي، دار الكتب العلمية، بيروت،الطبعة الأولى، 1418هـ 1998م: 2/ 402 – 404.و الفن ومذاهبه في النثر العربي: ص 183 - 188.
(3) انظر السابق: الصفحات نفسها.
(4) انظر: أفلاطون، فرانسوا شاتليه، وزارة الثقافة،سوريا، الطبعة الأولى 1991م: ص 34 - 40،و أفلاطون و الأكاديمية، تأليف جان بران، ترجمة جورج أبو كسم، دار الأبجدية، سوريا، الطبعة الأولى، 1994م: ص 172 - 176.
(5) انظر: رسالة التوابع والزوابع، ابن شهيد الأندلسي، تحقيق بطرس البستاني، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1967م.
(6) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي، دار المعارف،القاهرة،الطبعة الأولى:1/ 70.
(7) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، أبو القاسم الأصفهاني، تحقيق: عمر الطباع، دار القلم، بيروت،الطبعة الأولى، 1420هـ:2/ 663.
(8) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: ص 70.و ديوان الأعشى، دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1414هـ:1/ 207.
(9) السابق: الصفحة نفسها. و ديوان حسان بن ثابت، تقديم وشرح وتعليق د. أحمد الفاضل، دار الفكر اللبناني، لبنان، الطبعة الأولى، 2003م:1/ 136.
(10) السابق: الصفحة نفسها، وانظر: لسان العرب، ابن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى: 1/ 495.
(11) انظر: خزانة الأدب وغاية الأرب، ابن حجة الحموي، تحقيق: عصام شقيو، دار ومكتبة الهلال، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م:2/ 378.
(12) جمهرة اللغة، ابن دريد، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م:1/ 135.
(13) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: ص 70، و ديوان جرير، شرحه واعتنى به د. عمر بن فاروق الطباع، دار الأرقم بن الأرقم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1417هـ: 2/ 123.
(14) ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه وقدم له. علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى:2/ 187.
(15) الحماسة البصرية، صدر الدين علي بن الحسن البصري، تحقيق: مختار الدين أحمد،عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ: 1/ 80. و محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: 2/ 664.
(16) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: ص 71.
(17) الأغاني، أبو الفرج الأصبهاني، تحقيق: علي مهنا وسمير جابر،دار الفكر للطباعة والنشر، لبنان، الطبعة الأولى: 9/ 182.و خزانة الأدب وغاية الأرب: 8/ 397،398.
(18) خزانة الأدب وغاية الأرب: 8/ 398، 399.
(19) الأغاني: 22/ 89، 90.
(20) انظر: جمهرة أشعار العرب، أبو زيد القرشي، تحقيق: عمر فاروق الطباع، دار الأرقم، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م: ص 34.
(21) الحيوان، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، لبنان، الطبعة الأولى، 1416هـ:6/ 225 - 228.
(22) البيان والتبيين، الجاحظ، ت. عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط الرابعة،1975 م: 1/ 118.
(23) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: 1/ 112.
(24) صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى: رقم الحديث (6032):4/ 1769.
(25) صحيح مسلم: حديث رقم (6022): 4/ 1767.
(26) للاستزادة انظر: معجم البلدان، ياقوت بن عبد الله الحموي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1980م:1/ 463، 4/ 79 - 80،5/ 97،والمستقصى في أمثال العرب، جارالله محمود بن عمر الزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت،الطبعة الثانية، 1987م: 1/ 285.
(27) جمهرة أشعار العرب: ص 34 - 36.
(28) انظر تفصيل ذلك في: جمهرة أشعار العرب:ص 36 – 45.
(29) انظر: معجم البلدان: 1/ 462، 463، 3/ 139.
(30) انظر تفصيل ذلك في: تفسير الطبري "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م: 22/ 357، 358.
(31) صحيح مسلم: رقم الحديث (7286): 18/ 117.
(32) نقلا بتصرف من كتاب "علم أصول معاني الألفاظ ومجازها، سبيل متعة المعرفة الموصل إلى إدراك المجازات المنسية" أصيل الصيف الأصولي: ص50 - 65. وانظر: لسان العرب: مادة (شطن) 13/ 238، و (متح) 2/ 588.
¥