تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد أدى هذا الوضع إلى ظهور الخلاف في تفسير النصوص الشرعية، وفتح باب التأويل، وظهور تيارات عقدية وسلوكية تأول القرآن على غير تأويله، وتضع النص في غير موضعه. ويعد مجال التفسير المجال الواسع الذي تمثلت فيه تأويلات التيارات العقدية، ولعل مرد ذلك أن القرآن عربي اللسان يؤثر بداهة في تلقي وفهم القرآن، أضافة إلى ما سبق من أن التفسير هو المجال الذي تمثل فيه جل العلوم الإسلامية من نحو وصرف وبلاغة وأصول وعلم الحديث، الأمر الذي يدلل على جزء من الإشكال العام الحاصل في التفسير: هل هناك ضوابط وأصول تضبط الفهم وتميز التفسير وترقى بنتائجه من العفوية إلى العلمية

ولعل المحاولات العلمية التي سجلت في التراث الإسلامي تؤشر على نوع من الإحساس بالإشكالات الواقعة في التفسير، حيث ألفت كتب في مفردات القرآن تنهج منهجا خاصا يتبع اللفظة القرآنية ويلاحظ تغير معناها مراعيا سياق ورودها، بالإضافة إلى كتب الغريب والمعاني، والنظم والبلاغة، مما ينبئ على أهمية دراسة التراث التفسيري من أجل صياغة قواعد ومناهج التفسير

إن استقصاء واستقراء التراث الإسلامي ثم دراسته ونقده وتأهيله سيقود إلى صياغة نظرية كلية تضبط التفسير والبيان انطلاقا من قواعد وضوابط معلومة يمكن أن نصطلح عليها ضوابط التفسير وقواعد التفسير، هذه القواعد التي يجب أن تنتظم في إطار نظري عام وكلي، بحيث يصير التفسير له أصول ناظمة، تميزه أولا عن غيره من العلوم الشرعية كالأصول وغيره .... ، ثم تؤطر الفهم ومنهجه درءا للتأويلات الباطلة والأفكار الدخيلة في التفسير، إذ التفسير من أهم الفنون التي تتعرض للتحريف والتأويل

إن محاولة صياغة منهج تفسيري علمي تفرضه المقاصد الشرعية، والحاجة الحضارية، حيث يصير تفسيرا علمياا مؤصلا، إذ كم كبير من التراث التفسير تمتزج فيه الذاتية بالعلمية، فلا تحصل من بعضه إلا أذواق ومواجيد، واصطلاحات لم ترقى إلا رتبة العلمية، الشيء الذي دفع بعضهم إلى القول بأن التفسير لم ينضج ولم يحترق.

أيمكن مراعاة لما سبق أن نقول لهذا الفن: علم التفسير؟ وإذا كان كذلك، فما هي أصوله؟ ما هي قواعده؟ أليس ما يوظف في التفسير من قواعد إنما تنتمي إلى علوم أخرى كالأصول مثلا والبلاغة وغيرهما.

كيف يمكن الاستفادة من جملة العلوم التي ترتبط بالتفسير من نحو وصرف وبلاغة وأصول الفقه وعلم التاريخ لصياغة منهج تفسيري متميز، تستقل فيه المناهج عن النتائج من أجل تجاوز هذا التداخل الحاصل بين النتائج والمناهج؟

إن هذه العلوم تحتاج إلى إعادة تصنيف في علاقتها بالتفسير حيث تصير أدوات وثمرات، ومناهج ونتائج، وقد أحسن الطاهر ابن عاشور في مقدمات التحرير والتنوير، إذ ميز بين مستويات هذه العلوم في علاقتها بالتفسير، فاعتبر الفقه الإسلامي من نتائج التفسير، قال: "ولم نعد الفقه من مادة علم التفسير كما فعل السيوطي، لعدم توقف فهم القرآن على مسائل الفقه، فإن علم الفقه متأخر عن التفسير وفروع عنه، وإنما يحتاج المفسر إلى مسائل الفقه عند قصد التوسع في تفسيره" [6]، وقد صار على هذا المنحى مع باقي العلوم الإسلامية.

ولعل أهم العلوم اتصالا بالتفسير كمناهج للبيان والفهم اللغة العربية والأصول.

أما العربية، فلأن القرآن "كلام عربي فكانت قواعد العربية طريقا لفهم معانيه، وبدون ذلك يقع الغلط وسوء الفهم، لمن ليس بعربي" [7].

وقد قال السكاكي في "المفتاح" "لا أعلم في باب التفسير بعد علم الأصول أقرأ على المرء لمراد الله من كلامه من علمي المعاني والبيان" [8]، ثم إن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط ويفصح عنها "فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها" [9].

وأحسب أن من مزج بين العربية والأصول وصاغ قواعد الفهم والإفهام قديما الإمام الشافعي، فهو حري بالدراسة والبحث، جدير بالعناية والاهتمام من قبل الباحثين، فقد استطاع أن يحل إشكالات الفهم في عصره، فصاغ قواعد ومناهج لدراسة النصوص الشرعية، منطلقا من قواعد العربية ومعهود العرب فيها، وكذا ما تحصل من أدلة مجمع عليها، بالإضافة إلى موافقة روح التنزيل ومقاصده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير