تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إننا أمام تفسير وجيز في حجمه، طريف في لغته، جديد في مقاصده، فهو لا يشاكل التفاسير التي تجعل ساحتها ميدانا للسجال الفكري، وعرض وتعداد أنواع العلوم وسرد غرائبها، بل يهدف إلى الإنطلاق من التفسير لإصلاح النفوس وتهذيبها، وهو بذالك ينم عن غرض إصلاحي تربوي، يظهر جليا انطلاقا من تنصيصه على عدم الوقوف عند حد تيسير التلاوة والحفظ فحسب، بل لابد من العمل بعد العلم والفهم.

فالشيخ المكي الناصري له قناعة راسخة بدور القرآن في إصلاح النفوس وتهذيبها وإحداث البعث المطلوب، وقد ترسخت هذه القناعة أثناء احتكاكه بالشعب إثر إلقائه لدروس التفسير، وترى ذلك ماثلا في قوله: " وكانت هذه الدروس العامة التي احتككت فيها بالشعب المؤمن احتكاكا يوميا مباشرا فرصة للتأكيد من جديد، بما يحدثه كتاب الله من تعبئة روحية وتأثير عميق، وانقلاب سريع في نفوس المؤمنين ( ... ) فكتاب الله هو الذي أحيا من المسلمين الموات ... "

إن الرجل صحب القرآن الكريم منذ عهد مبكر فاستطاع التمكن من القرآن الكريم: قراءة وتجويدا، تلقيا وتلقينا، دراسة وتدريسا، وتركت الدروس والمحاضرات التي ألقاها خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي بمساجد المحمدية وتطوان والبيضاء، الأثر البالغ في تأهيله للتفسير، وتأليف هذا الكتاب الذي بناه وفق قواعد علمية سديدة ومنهجية رشيدة، فتلمس من خلال كتابه أن الرجل له حظوة من الفهم، وزاد غير يسير من العلم.

وظف الشيخ المكي الناصري عند تفسيره للقرآن الكريم السنة النبوية، وهو في ذلك منطلق من قناعة مفادها أن السنة النبوية هي البيان للقرآن، واستعان أيضا بالقواعد الأصولية في استخراج المعاني من الألفاظ، أو إزالة الإشكال عن الآية أو غير ذلك من الوجوه ... ، وأضرب عن ذكر الخلافات المذهبية أوعرض النظريات أو تقرير القواعد العلمية التي تؤسس لعلم من العلوم أو فن من الفنون، وذلك رجاء ألا يصير التأليف على غير ما وضع له، كل ذلك أعطى للكتاب قبولا لدى العامة والخاصة، لما عرف فيه من الإختصار والتجوز، ليس بالطويل الممل ولا القصير المخل.

وأنبه في سياق الحديث عن إعراض المؤلف عن الإستطراد في ذكر النظريات العلمية إلى أن كتابه قائم على نفس القواعد العلمية التي حررتها وضبطتها تلك العلوم، إذ بدونها لا يمكن لأحد أن يضرب في علم التفسير بسهم ولا أن يفهم كتاب الله فهما صحيحا لا لغويا ولا شرعيا.

أول ما يستهل به المكي الناصري تفسيره، الشرح اللغوي لبعض المفردات المستعملة في الآيات التي هو بصدد دراستها وتفسيرها، وذلك لأجل إعانة السامع والمتلقي على الفهم، قال: في المدخل التمهيدي أدرج مسبقا ( ... ) ما يصلح أن يكون شرحا لبعض المفردات المستعملة في تلك الآيات، إعانة له على فهمها.

عند تفسيره للآيات القرآنية، قد ينهج أسلوب المقارنة بين الآيات القرآنية الواردة في نفس الموضوع، وهو بذلك يشير إلى ما يصطلح عليه " بالتفسير الموضوعي"، ونلمس هذا الأمر عنده ليس على مستوى التطبيق والتتبع للآيات ضمن التفسير فحسب، بل يظهر أن له وعي كامل بهذا المنهج على المستوى النظري، حيث يقول عند حديثه على منهجه في التفسير " ... بمقارنة الآيات القرآنية الواردة في كل موضوع موضوع، وكل ميدان ميدان، فكتاب الله من بدايته إلى نهايته كتاب واحد يفسر بعضه بعضا، ويكمل بعضه بعضا، وهو بمجموعه، وبكافة صوره يكون " وحدة " متلاحمة لا تقبل التناقض ولا تعرف الإختلاف".

والمكي الناصري رحمه الله رغم حرصه على تقديم المعاني اللغوية للآيات وإبراز دلالتها، وبذل الجهد في المقارنة بين الآيات ومحاولة افتراض وحدة موضوعية ناظمة للكل، تعترضه مشكلة ضيق الوقت المخصص في الإذاعة لإلقاء التفسير، فيعمد إلى ابتكار منهج يوفق فيه بين عرض المادة دون إخلال، والإلتزام بالوقت المحدد، فيقول: " وعندما يضيق الوقت المخصص في الإذاعة لحصة التفسير عن استيعاب القول في جميع الآيات الداخلة في نطاق الحصة أكون مضطرا إلى التركيز على قسم من تلك الآيات، وأؤجل القول في بعضها الباقي إلى أن يأتي ما يماثلها في حصة أخرى من نفس السورة، أو ما يماثلها في غيرها من السور، حتى إذا حلت المناسبة المرتقبة جمعت الآيات المتعلقة بنفس الموضوع في صعيد واحد، وتناولت السابق منها واللاحق بالتفسير الكافي والشرح الوافي، بقدر الإستطاعة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير