تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن اللجوء إلى هرمس كما قلت الذي كان جسرا يفسر ويشرح رسالات الآلهة، وذلك بتحوير ماهيتها ومضامينها (التي كانت فوق مستوى الفهم البشري)، من أجل تفهيمها للناس وجعلها ممكنة الإدراك من قبلهم، وفق البناء الثلاثي لعملية التفسير، والمكون من الأركان الآتية:

1 - العلامة أو الرسالة أو النص الذي يلزمه الفهم والتفسير.

2 - واسطة الفهم، أو المفسر (هرمس).

3 - إيصال فحوى النص ومعانيه إلى المخاطبين.

يبين طبيعة الغموض الذي كان يكتنف النص الديني، خصوصا العهد القديم الذي كان عندهم عبارة عن تمثيلات ورموز وكنايات، تحتاج إلى تأمل هرمنيوطيقي.

وعلى الرغم من العمل الإصلاحي الذي قام به أوغسطين للكنيسة حيث ضيق من جانب الغموض، واعتبر أن الغموض لا يطول كل الكتاب المقدس، وإنما بعض من فقراته غامضة، فإنه لم يتجاوز التأمل الهرمنيوطيقي، بل دعا إلى ضرورة الجمع بين النور الإلهي الساطع على الإنسان وقواعد التفسير،

يعد كتاب القديس اوغسطينوس "في العقيدة المسيحية" مثالاً لهذه التأويلية التفسيرية، إذ ميّز بين نوعين من العبارات التي تحتاج إلى تفسير: العبارة الغامضة، حيث يكون المعنى مستتراً أو مغلقاً بعناصر تاريخية وصيغ لغوية، وعبارات عجائبية أو غرائبية متعلقة بالمعرفة اللاهوتية المقصورة على علماء اللاهوت.

وسيستلهم كل من هيدغر وغادامير هذه الأفكار من أوغسطين لتطوير الفكر الهرمنيوطيقي.

ومع كل من هيدغر وغادامير ستأخذ الهرمنيوطيقا بعدا فلسفيا يؤصل لشروط الفهم والتفسير. وسيعطيان للذات أهمية قصوى في عملية الفهم، مبعدين كل الشروط الموضوعية المؤسسة على المنهج.

إن جادامير يطرح الهرمنيوطيقا اتجاها مهتما بشرح عملية الفهم في ذاتها لا في علاقتها بعلم بعينه، فكتابه " الحقيقة والمنهج" هو كتاب مساءلة منهجية لأسلوب وقواعد الفهم عند الغربيين.

عملية الفهم

فالفهم ليس نتيجة تطبيق قواعد، بل يرتبط بالقدرة على الاستيعاب واستثمار المخزون المعرفي والثقافي في تقويم المعنى المطلوب. يمر الفهم عبر قنطرة الذات من أجل إعادة تشكيل معالم الدلالة، وفق الأفق الذي يرنو إليه المتلقي. أما إذا ما اعتبرنا الفهم حصيلة تطبيق قواعد مخصوصة، لن يختلف الفهم آنذاك عن عملية الترجمة الآلية.

ثم إن الفهم لا بد أن يبنى على المنهج التأويلي الذي لا يحصر نفسه في التاريخ، تاريخ النص بل لا بد أن يعيش حاضره، ولا بد كما يقول غادامير من انصهار للآفاق (الماضي والحاضر) كي يحصل الفهم، ومن هنا ستبدأ عملية تحليل الفهم الهرمنيوطيقي بوضع أسس للفهم والقراءة، وهي أسس ترفض كل مكتسبات عصر التنوير الأوروبي، وخاصة الاتجاه النسقي الذي أفرز البنيوية في بعدها المؤطر للنص، حيث يعتير أصحاب الاتجاه الهرمنيوطيقي الاتجاه البنيوي نسقا من العلامات مغلقا على نفسه ولا يشير إلى شي ء خارجه مما يجعل النص "بغترب في الشكل المجرد" و تضيع هوية وخصوصية و بعده الأونطولجى ودوره التاريخي.

الأسس المنهجية للاتجاه الهرمنيوطيقي:

إن النقد الموجه للاتجاه البنيوي مرده بالأساس إلى محاولة إقصاء كل ما يجعل الفهم أو التحليل مضبوطا، ولذلك سيغير الاتجاه الهرمنيوطيقي كل أنواع التحليل المؤسس على الموضوعية، ويفسح المجال لكل الذاتيات لكي تمارس عملية الفهم دون قيد أو شرط.

فتصبح الأحكام المسبقة والتصورات القبلية وانفتاح الذات على الموضوع هي المحددات لعملية الفهم.

يقول أحمد واعظي "تعرضت القراءة التقليدية للنص، و التفكير الديني الدارج، لتحديات و إشكاليات على يد بعض الاتجاهات الهرمنوطيقية في القرن العشرين. فقد أثارت الهرمنوطيقا الفلسفية بشتى فروعها سجالات حول تفسير النص وقضية الفهم بصورة عامة، مسّت العديد من أصول المنهج الدارج لفهم النص ... وخلخلت أركانها, ناحتةً إشكالات وشبهات جديدة للتفكير الديني، فقد أشرنا منذ البداية إلى أن التفكير الديني وثيق الصلة بالمنهج التقليدي لفهم النص

وإجمالا فإن أبرز التحديات التي فرصتها الهرمنيوطيقا الفلسفية أمام الأسلوب المعهود للنص لخصها أحمد واعظي في:

1 - فهم النص حصيلة امتزاج أفق المعاني لدى المفسر مع أفق المعاني في النص. ولذلك فإن إشراك ذهنية المفسر في عملية الفهم ليس بالمذموم، بل هو شرط وجودي لحصول الفهم، وينبغي التسليم له كواقع لا مندوحة منه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير