تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالأسماء التي عُلِّمها آدم (عليه السلام) [2] كانت الجواب الإلهي عن تساؤل الملائكة المبني على أن خلافة الإنسان في الأرض متمحضة للفساد وسفك الدماء، لكن ما ورد من تفاسير في معاني الأسماء لا يجلِّي هذا الجانب من معنى تعلم الأسماء، فقد تعاملت معظم التفاسير في تحديد معنى الأسماء على أنها الاسم بمعناه اللغوي أعني العلامة على الشيء التي تميزه عن غيره وضمن هذا الإطار جاء تحديد تلك الأسماء متفاوتاً بين قولين: الأول: أنه علمه كل الأسماء أي أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها، والثاني: أنه علمه أسماء معدودة لمسميات مخصوصة وقد اختلف في تحديدها (أسماء الملائكة، أسماء الأجناس دون أنواعها، أسماء ما خلق من الأرض، أسماء ذريته) [3]، لكن السؤال المحور حول كون تعلم الأسماء عاصماً من الإفساد في الأرض وسفك الدماء وضامناً لنجاح استخلاف الإنسان في الأرض لم تجب عنه تأويلات المفسرين، فعلم آدم (عليه السلام) بكل ما ينطبق عليه من أسماء أياً كان مضمونها مما ذكروه لا يدل منطقياً على كونه مورد عصمة لآدم والإنسان عموماً من سفك الدماء والإفساد في الأرض إلا أن يكون ذلك بتأويل رمزي لم يشر إليه أحد من المفسرين الذين رجعنا إليهم، بل لم نجد ربطاً بين مضمون الأسماء وكون تعلمها جواباً على استشكال الملائكة.

* العاصم من الفساد وسفك الدماء:

إن أول ما يثير انتباه المتأمل في استشكال الملائكة قولهم: "وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" [4]، فكان الجواب بتعليم آدم الأسماء، وبتتبع ذكر الاسم في القرآن نجده يقترن بتكليف الإنسان بالتسبيح وأن هذا التسبيح يكون باسم الله [5]، مما يعني أن الأسماء هي وسيلة الكائن الجديد لتسبيح الله وتقديسه، وهذا يربط بين الأسماء التي تعلمها آدم (عليه السلام) واسم الله وأسمائه الحسنى، فهي تدل على معنى يربط الكائن الإنساني بالقيمة المعرفية [6]، والتي من خلالها يستطيع تسبيح الله والقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض، فاسم الله هو علمه الذي يسعى إليه الإنسان، والذي علمه آدم، وهو علة الاستخلاف في الرد الإلهي على اعتراض الملائكة [7].

فالأسماء هنا ليست مجرد ألفاظ تحيل على المسميات، فهي ليست أعلاماً كما بسطها البعض، بل وليست علامات على الأشياء، إنما هي معانيها ومعرفتها وملكة إدراكها، لذا فهي كلمة دالة على قيم معينة تعلمها آدم، فالأسماء بما هي مُعَلَّمة من قبل الله ومتقبلة من قبل الإنسان هي الوسيط بين الإلهي والإنساني في إدراك الكون واستخلاف الإنسان فيه، ولعل معنى الرفعة والسمو كأصل لغوي للاسم يدل على اختيار هذا اللفظ للإشارة إلى القيمة المعرفية التي تميز بها الإنسان، فبها يرتفع عن غيره من المخلوقات ويسمو ويرتقي بها إلى الله، وكذلك باعتبار الاشتقاق الثاني من السمة والعلامة فإن القيمة المعرفية هي التي تميز الإنسان عن غيره وتجعله كائناً متميزاً [8].

فبتعلم الأسماء يدرك الإنسان الأشياء ووظائفها وكيفية التعامل معها، وبعبارة أخرى يمتلك مفتاح التعامل مع الكون والتعرف عليه، وهو بذلك يباشر مسؤوليته كمكلف دون أن ينفصل عن الإلهي في تعامله مع الكائنات، فمصدرية الأسماء الإلهية جعلت منه إنساناً مسلماً لله بفطرته، ومكلفاً في الآن نفسه باستخدام ملكة علم الأسماء في إعمار الأرض مسترشداً بهدي الله، لذلك جاء التكليف الإلهي الأول بالقراءة مقروناً بكونها باسم الله، فهي قراءة مزدوجة لا يستقل فيها وعي الإنسان وامتلاكه للقيمة المعرفية في التعامل مع الأشياء عن الصلة بخالقها، فعلم الأسماء لا يتأتى إلا من الله، فهو المختص بها فله الأسماء الحسنى، ومن ادعى الأسماء من غيره فلا قيمة لتسميته إذ لا سلطان من الله فيها، لذلك استنكر الرسل على قومهم ادعاء الأسماء للأصنام وطلبوا منهم بيان تجلي تلك الأسماء، فإدراك الإنسان لما يحيط به من الأشياء من خلال ملكة المعرفة التي أوتيها بتعلم الأسماء تجعله قادراً على معرفة الله أكثر وبالتالي تسبيحه وتقديسه وتنزيهه، وكذلك سيكون قادراً على اكتشاف قيم الوجود وتلقي رسالة الله عبر رسله مما يجعله قادراً على منع الإفساد في الأرض وسفك الدماء، وبما أن الله جعل علم الأسماء ملكة في الإنسان فقد أناط به مسؤولية العمران والخلافة في الأرض تكليفاً لا تكويناً، وما دام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير