تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تكفير السيئات.

* وصف أهل الكتاب، هل هو على إطلاقه؟

والناظر لآيات القرآن الكريم التي تحدثت عن أهل الكتاب، يجد أن القرآن الكريم نعى على أهل الكتاب كفرهم في أكثر من موضع وفي كل موضع يذكر سبب هذا الحكم والمبررات التي ساقها رب العالمين ليحكم على مثل هؤلاء بالكفر وتغيير ما أنزل الله إليهم من حق، وهذا السبب يتفق مع المعنى اللغوي لمصطلح الكفر وهو "تغطية ما كان ظاهرا" فهؤلاء الذين حكم الله عليهم بالكفر من "أهل الكتاب" صدق عليهم هذا الحكم بهذا المعنى؛ لأنهم كانوا يعرفون الحق الذي عندهم، وغطوا عليه ومن الأمثلة على ذلك تغطيتهم وإنكارهم لحكم الرجم في التوراة وتبديل هذا الحكم بحكم آخر ولذلك نزلت آيات القرآن الكريم تنعى عليهم هذا وتحكم عليهم بالكفر وعلى كل من فعل مثلهم، قال تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" [المائدة 44].

ومن هذه الآيات أيضا ما حكمت على الذين هادوا بالكفر: "مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً" [النساء 46]، فحقت عليهم اللعنة بما بدلوا وغيروا من كلام الله وبما عاندوا حين قالوا سمعنا وعصينا وطعنوا في الدين وهم يعلمون أنه الحق.

كما أن هناك ثلاث آيات، منها آيتان نزلتا تحكمان بالكفر على الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وآية أخرى تحكم بالكفر على الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وهذا الحكم يصدق على فئة معينة من خلال ما قررناه من معنى اسم الموصول "الذي" الذي يدل على أقوام بأعينهم ويُعَدّى الحكم على غيرهم ممن شابههم في أفعالهم، وهذا الحكم ينطبق أولا على من اخترع هذا القول: إن الله هو المسيح ابن مريم وإن الله ثالث ثلاثة، وعلى من تابعهم ممن بلغه كذب ادعائهم، ذلك أنه من الثابت تاريخيا ما حدث في مجمع نيقية سنة 325م الذي اجتمع فيه النصارى ليتشاوروا في أمر عيسى عليه السلام، وكان منهم من قال: إنه عبد الله ورسوله، فاتفق الذين ذهبوا إلى الأقوال الأخرى على تعذيب الذين قالوا إن المسيح هو عبد الله ورسوله وحرمانهم وطردهم [3]، ولقد علق القرآن الكريم على هذا في موضعين بعد أن ذكر قصة عيسى عليه السلام في سورة مريم وفي سورة الزخرف قال تعالى: "فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ" [مريم 37]، وقال أيضا: "فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ" [الزخرف 65].

وهاتان الآيتان تأتيان بعد ما ذكر الله القول الحق في عيسى عليه السلام:

"ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ، مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ، وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" [مريم 34 - 36].

"إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ... إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ" [الزخرف 63 - 64].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير