تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا يؤيده ما قاله شيخ الإسلام بن تيمية: (وإذا كان كذلك فنحن نشهد لمن كان مؤمنا بموسى متبعا له أنه مؤمن مسلم مستحق للثواب، وكذلك من كان مؤمنا بالمسيح متبعا له ونشهد لمن قامت عليه الحجة بموسى فلم يتبعه كآل فرعون أنهم من أهل النار، وكذلك من قامت عليه الحجة بالمسيح الذين قال الله فيهم:" قال إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدًا من العالمين" [المائدة 115]، والذين قال فيهم: "يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين" [4]، وأما من بعد عهده بالمسيح وبلغته بعض أخباره دون بعض أو بموسى وبلغه أخباره دون بعض فهؤلاء قامت عليهم الحجة بما بلغهم من أخبارهم دون ما لم يبلغهم من أخبارهم وإذا اختلفوا في تأويل بعض التوراة والإنجيل فمن قصد الحق واجتهد في طلبه لم يجب أن يعذب وإن كان مخطئا للحق جاهلا به ضالا عنه كالمجتهد في طلب الحق من أمة محمد، وعلى هذا فإذا قيل إن الحواريين أو بعضهم أو كثيرا من أهل الكتاب أو أكثرهم كانوا يعتقدون أن المسيح نفسه صلب كانوا مخطئين في ذلك ولم يكن هذا الخطأ مما يقدح في إيمانهم بالمسيح إذا آمنوا بما جاء به ولا يوجب لهم النار فإن الأناجيل التي بأيدي أهل الكتاب فيها ذكر صلب المسيح وعندهم أنها مأخوذة عن الأربعة مرقس ولوقا ويوحنا ومتى ولم يكن في الأربعة من شهد صلب المسيح ولا من الحواريين بل ولا في أتباعه من شهد صلبه وإنما الذين شهدوا الصلب طائفة من اليهود فمن الناس من يقول إنهم علموا أن المصلوب غيره وتعمدوا الكذب في أنهم صلبوه وشبه صلبه على من أخبروهم .... وقد ثبت في الصحيح عن عياض بن حمار عن النبي: "قال إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" [5] فأخبر أنه مقتهم إلا هؤلاء البقايا، والمقت هو البغض بل أشد البغض؛ ومع هذا فقد أخبر في القرآن أنه لم يكن ليعذبهم حتى يبعث إليهم رسولا فقال: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، وقال: "ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى" فدل ذلك على أن المقتضي لعذابهم قائم ولكن شرط العذاب هو بلوغ الرسالة ولهذا قال: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" وفي الصحيحين عن النبي أنه قال: "ما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب". وفي رواية "من أجل ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين ما أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه وما أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" [6]) [7].

فلو تصورنا أن أحدًا من أهل الكتاب لم تصله الحقيقة، أو لم يبلغه الإسلام بلاغًا صحيحًا فلا يؤاخذ إلا بما بلغه من الحق.

القرآن إذن والإسلام لا يحكم على كل أهل الكتاب الكفر لأنهم مخالفون للإسلام فقط بل لأنهم علموا الحق وأنكروه وغطوه، هذا الحق الذي هو مذكور في كتبهم: "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ" الزمر 32.

وعلى هذا فإن من كان من أهل الكتاب من اليهود يعلم الحق، ويعلم أحكام التوراة التي أنزلها الله وغير وبدل كما فعلوا أيام رسول الله، ومن كان من النصارى يعلم الحق في الإنجيل ويعلم أن عيسى عبد الله ورسوله وأنه بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم لم يمتثل لأمر الله فهذا هو الذي يحكم عليه بالكفر لأنه بدل وغير في أوامر الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير