المشهور بين المفسرين أن السورة تدور حول الخيول أو الجمال , ولم نر على حد علمنا تفسيرا آخر للعاديات! ولكنا نرى أن العاديات ليس لها أي علاقة لا بالخيل ولا بالإبل , وإن كل ما في الأمر هو تقاطع جزئي لمدلولات الآيات مع مدلولات هذه الألفاظ , ونبدأ بتقديم تصورنا للسورة:
تبدأ السورة بقوله تعالى " والعاديات ضبحا " فما هي العاديات وما هو الضبح؟ العاديات جمع عادية , والعادية اسم فاعل مؤنث من عدو , فما هو ال عدو؟
إذا نحن نظرنا في المقاييس وجدنا أنه يأتي بالمعنى التالي:
" العين والدال والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يرجع إليه الفروعَ كلّها، وهو يدلُّ على تجاوُزٍ في الشيء وتقدُّمٍ لما ينبغي أن يقتصر عليه. من ذلك العَدْو، وهو الحُضْر. تقول: عدا يعدو عَدْواً، وهو عادٍ. قال الخليل: والعُدُوُّ مضموم مثقّل، وهما لغتان: إحداهما عَدْو كقولك غَزْو، والأُخرى عُدُوّ
كقولك حُضور وقُعود. قال الخليل: التعدّي: تجاوز ما ينبغي أن يُقْتَصَر عليه.
والعادي: الذي يعدو على الناس ظُلْماً وعُدواناً.
وفلانٌ يعدو أمرَكَ، وما عَدَا أنْ صَنَع كذا ............. وتقول: ما رأيت أحداً ما عدا زَيْداً. قال الخليل: أي ماء جاوَزَ زيداً. ويقال: عدا فلانٌ طَورَه.
ومنه العُدْوانُ، قال: وكذلك العَدَاء، والاعتداء، والتعدِّي. .........
قال: والعُدْوان: الظلم الصُّراح. والاعتداء مشتقٌّ من العُدْوَان. فأمَّا العَدْوَى فقال الخليل: هو طلبك إلى والٍ أو قاضٍ أن يُعدِيَك على مَن ظَلَمك أي يَنقِم منه باعتدائه عليك. والعَدْوَى ما يقال إِنّه يُعدِي، من جَرَبٍ أو داء. وفي الحديث: "لا عَدْوَى ولا يُعدِي شيء شيئاً". والعُدَاء كذلك. وهذا قياسٌ، أي إذا كان به داء لم يتجاوزْه إليك. والعَدْوَة عَدوَة اللّصّ وعدوة المُغِير. يقال عدا عليه فأخَذَ مالَه، وعدا عليه بسيفه: ضَرَبه لا يريد به عدواً على رجليه، لكن هو من الظُّلم.
وأما قوله: فإنّه يريد أنّها تجاوَزَتْ حتَّى شغلت. ويقال: كُفَّ عنا عادِيتَك.
والعادية: شُغل من أشغال الدَّهر يَعدُوك عن أمرك، أي يَشغلُك. والعَدَاء: الشُّغْل. ....... وقد يقال العُِدْوة في معنى العَداء، وربما طُرحت الهاء فيقال عِدْوٌ، ويُجمَع فيقال: أعداء النّهر، وأعداء الطريق. قال:
ونقول: عَدَّى [عن الأمر] يعدِّي تعديةً، أي جاوزَه إلى غيره.
وعدّيت عنِّي الهَمَّ، أي نحّيته عنِّي. وعدِّ عنِّي إلى غيري.
وعَدِّ عن هذا الأمر، أي تجاوَزْه وخُذ في غيره. قال النابغة:
فعدِّ عمّا ترى إِذْ لا ارتجاعَ له وانمِ القُتود على عَيرانةٍ أُجُدِوتقول: تعدّيت المفازةَ، أي تجاوزتُها إلى غيرها. .......... " اهـ
إذا فالله تعالى يقسم بالعاديات وهي كما قلنا جمع عادية , وهي اسم فاعل مؤنث من العدو, فهل من الممكن أن تكون بمعنى الطامة أو الظالمة أو الغاشية؟ كما ورد في المقاييس؟ بداهة هذا المعنى غير مراد على الإطلاق , فالله تعالى لا يقسم بما فيه ضرر وظلم للناس وإنما ينبهم إلى ما فيه كل الخير. فما المراد من العادية هنا إذا؟ هي كلمة كثيرة المعاني ولكنها تدور كلها بين سرعة الحركة والاعتداء! فما هو المراد من العاديات في هذه السورة عند استبعاد مدلول الاعتداء؟ الملاحظ أن السادة المفسرين قاطبة يكادون يجمعون أن المراد من العاديات هو الخيل أو الإبل ويستندون في ذلك إلى ما ورد في الأثر:
" ما روى عن علي عليه السلام وابن مسعود أنها الإبل، وهو قول إبراهيم والقرظي روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «بينا أنا جالس في الحجر إذ أتاني رجل فسألني عن العاديات ضبحاً، ففسرتها بالخيل فذهب إلى علي عليه السلام وهو تحت سقاية زمزم فسأله وذكر له ما قلت، فقال: ادعه لي فلما وقفت على رأسه، قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد والعاديات ضبحاً الإبل من عرفة إلى مزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى، يعني إبل الحاج، قال ابن عباس: فرجعت عن قولي إلى قول علي عليه السلام» اهـ
يتبع .....
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[10 May 2008, 11:12 ص]ـ
¥