ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[28 May 2008, 10:01 ص]ـ
و في اللسان: " ...... ونشَط من المكان يَنْشِطُ: خرج، وكذلك إِذا قطع من بلد إِلى بلد. ........ ونَشَطَتِ الإِبلُ تَنْشِطُ نَشْطاً: مضت على هُدّى أَو غير هدى. .................... ونَشَطَ الدَّلْوَ من البئر يَنْشِطُها وينشُطها نشْطاً: نَزَعها " اهـ
والناظر في معان النشط في اللغة يجد أنها تدور في فلك الحركة والنشاط والانتقال وهذا ما تقوم به الملائكة فهي تنشط وتتحرك وتنتقل.
إذا فالله تعالى يقول: والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا , فما هي السابحات؟ بداهة قد يصدق لفظ السابحات على أي سابح , حتى أن بعض المفسرين قالوا أن المراد من السابحات هي السفن! وقال آخرون أن المراد من السابحات هنا هي الكواكب بدليل قوله تعالى " َوهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: 33] , لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40] " ولكن كما قلنا فإن الكواكب والأجرام لا ينطبق عليها باقي الأوصاف , ومفهوم السبح معروف , وهو كما يعرفه القارئ وهو كما جاء في المقاييس:
" السين والباء والحاء أصلان: أحدهما جنسٌ من العبادة، والآخر جنسٌ من السَّعي. " اهـ , فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى وجدناه يقول للرسول الكريم: " إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً [المزّمِّل: 7] " فوردت لفظ السبح في خطاب النبي الكريم , فالله تعالى يقول للرسول: أن لك في النهار تقلبا وفراغا تقضي فيه حوائجك أما الليل فتقومه! إذا فهنا سابحات سبحا , وكما قلنا السبح إما عبادة وإما سعي , ولكن لا بد أن نراعي أن هذه السابحات سبحا موصوفة بوصف آخر , فهذه السابحات سبحا سابقات سبقا ومدبرات أمرا! وهذا ما لا يكون إلا في الملائكة! فالملائكة تسبح مسبحات لله عزوجل! " وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات: 166, 165] "
إذا فهناك ملائكة نازعات لأنفس الناس منزلات للعذاب وهناك متحركات ناشطات تنشط من مكانها فتسبح سباحة في السماء و في الكون مسبحات لله تعالى مطيعات له وهي سابقات سبقا! وهنا نتوقف لنسأل: ما هو السبق الذي تسبقه الملائكة؟ بداهة ليس المراد من الآية تسابق الملائكة بينها وبين بعضها وإنما المراد السبق في فعل شيء , فما هو هذا السبق؟ إذا نحن نظرنا في وصفه سبحانه وتعالى للملائكة وجدناه يقول: " لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول " [الأنبياء: 27] أي أنهم قبل الإذن والأمر لا يتحركون ولا ينطقون تعظيماً لله تعالى وإجلالا له، فإذا نظرنا في وصفهم هنا وجدناه سبحانه يصفهم بالسبق أي إذا جاءهم الأمر، فإنهم يتسارعون إلى امتثاله. أي أن هذه الملائكة السابحات سابقات إلى تنفيذ أمر الله تعالى إذا جاءها , فإذا جاءهم الأمر بفعل كذا أوقبض نفس فلان أو إنزال العذاب بقرية كذا تسارعوا وسبقوا سبقا في فعله فلا يتأخرون عن هذا التنفيذ , وهذا العذاب ليس أمرا غيبيا أو منقطعا كان يحدث في الأزمان الغابرة , بل هو مستمر إلى قيام الساعة! فالملائكة منفذة لأمر الله تثير براكين وزلازل وأعاصير ... إلخ أشكال العذاب الذي ينزله الله بالبشر , فإن أمر الله المنفَذ بهؤلاء السابحات السابقات إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون! , إذا فهؤلاء الملائكة سابحون منتظرون لأمر الله فإذا جاء سبقوا إلى تنفيذه ثم أن هؤلاء الملائكة مدبرات أمرا! والملاحظ أن الله تعالى قال أنهن مدبرات أمرا وليس أمور , ومن المعلوم أن الملائكة تدبر أمورا كثيرة, فما هو هذا الأمر المدبر في هذا الوقت؟ نقول: الله تعالى أعلم بمراده فلم يظهر لنا تحديد هذا الأمر , فالله تعالى نكرّه فليس لأحد أن يجزم بمراد الله فيه ولكن كل يجتهد فيما يظهره الله تعالى له , لذا فإنا نقول أن المراد من المدبرات أمرا أي أنهم يدبرون الأمر الذي سبقوا به , فكما قلنا إن الملائكة يسبقون من أجل تنفيذ الأمر , ومن المعلوم أنهم يأيتهم الأمر فيسبقون سبقا من أجل تنفيذه ثم يدبرونه ساعة تطبيقه , إذا فالمراد فالمدبرات أمرا أتاهم بفعل كذا أو كذا , فأشكال إنزال العذاب تختلف من زمان
¥