تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأمر ليس له علاقة بالتسلية ولا بالتثبيت كما يحسب الإمام الفخر وإنما هو استمرار للنسق الذي تسير عليه السورة من أولها! فإذا كانت السورة من أولها تتحدث عن العذاب الذي ينزل بالكافرين بواسطة الملائكة نتيجة تكذيبهم وعنتهم ومحاربتهم واضطهادهم للرسل وللرسالة ناسب أن يذكر الله عزوجل هنا للرسول قصة نزول العذاب بفرعون وقومه فهو يذكّره بأن فرعون لما جاءه موسى ودعاه إلى عبادة الله تعالى طغي وتجبر وادعى الألوهية والربوبية فأخذه الله هو وجيشه ونزل بهم العذاب بواسطة الملائكة الذين شقوا البحر استدراجا له فأغرق هو وجيشه , فإن هذا قانون عام يسري على من يظهر له ويناطحه, وكان فرعون أحد من سقطوا فيه! وفي هذا عبرة لمن يخشى , فهل يعتبر أحد! ثم يعود الله تعالى للرد على المتجبرين المتكبرين المنكرين للبعث وللعقاب الرباني والذين يرون أن ما ينزل بهم هو من الطبيعة وأنه ما هي إلا حياتهم الدنيا يموتون ويحيون وما يهلكهم إلا الدهر فيوضح لهم مقدارهم بقوله: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها ....... ثم يواصل الحديث عن نعمه عليهم إلى أن يصل إلى قوله تعالى " فإذا جاءت الطامة الكبرى " والطامة معروفة فهي بمعنى الكارثة والداهية العظيمة والتي لا يستطيع أحد أن يدفعها أو يردها , ولم يقل لنا أحد من المفسرين لم وصف الله تعالى يوم القيامة هنا بقوله " الطامة الكبرى " واكتفوا بالقول أن هذا من أسماء يوم القيامة , أما على فهمنها نحن للسورة من أولها إلى آخرها فإن هذا هو المناسب للذكر , فالله تعالى من أول السورة يتحدث عن العذاب الذي ينزل بالكافرين ثم ذكر لنا نموذجا على ذلك وهو ما حدث لفرعون , وهذا العذاب الذي ينزل بالكافرين والعصاة المفسدين هو بداهة من الطوام , ولكن كل عذاب لا يقارن بالآخرة , فهي الطامة الكبرى! فإذا جاءت الطامة الكبرى فيومها يتذكر الإنسان ما سعى .... إلخ مواقف يوم القيامة! ثم تختم هذه التحفة البديعة بما يؤكد السورة الماضية , ففي آخر السورة الماضية قال الله تعالى " إنا أنذرناكم عذابا قريبا " وهنا يقول الله تعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [النازعات: 42] " ويرد عليهم بقوله " فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها " فأمرها إلى الله عزوجل فقط , فلا يعلم غيره بها , ولكن هذا اليوم واقع واقع! وأنت فقط منذر " إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا [النازعات: 45] " , وقارن هذه الآية بآية النبأ " إنا أنذرناكم عذابا قريبا " فالإنذار جاء في النبأ والتأكيد جاء في النازعات. وسبحان من كانت كلمته واحدة لا مبدل ولا مغير لها!

فانظر أخي في الله إلى هذا التناسق البديع والتصوير الأبدع للآيات وتناسبها واتفاقها وجريانها كلها في مجر واحد متصل غير منقطع يؤكد أولها آخرها ويؤازر آخرها أولها , وانظر إلى اتصال السورة بما قبلها وتأكيدها لما فيها وانظر إلى الموضوع البديع وسل نفسك: هل ما قلناه من خلال تلك الوحدة الموضوعية للسورة التي تسير عليها من أولها إلى آخرها هو الصواب أم ما جاء به الأقدمون من القطع والفصل؟

هدانا الله لما فيه خير الصواب!

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير