تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سبق أن أشرنا- عند مناقشة اسم يحيى- إلى أنّ المقطع (يو) يأتي في بعض اللغات السامية القديمة بمعنى (ذو)، وعليه يمكن أن يكون معنى الاسم (يونا) في الأصل السامي هو (ذو- نا)، ويكون معنى (يونان) في أصله السامي (ذو – نان) أي (ذو النون). وبالتالي يمكن أن يكون معنى الاسم (يونس) هو (ذو النون). والسين كما عرفنا علامة رفع تلحق العَلَم المذكر.

علاقة يونس باليونان علاقة مُرجَّحة

يظن البعض خطأً أنّ Greece هو الاسم الحقيقي لبلاد اليونان. والصحيح أنّ هذا الاسم هو وصف سلبي أطلقه أعداء اليونانيين عليهم. أما هم فيقولون إنه اليونان نسبة إلى شخص له في الأساطير اليونانية مرتبة الآلهة. وتنص مقدمة سفر يونان في العهد القديم على أنّ النبي يونان هو من مواليد فلسطين، وقد دعاه الله ليحمل رسالة التوبة إلى مملكة أشور، التي كانت عاصمتها نينوى ... وعندما تسلّم يونان الرسالة من الله أبت عليه روحه الوطنية أن يبشر بالخلاص أمة وثنية، فحاول الهرب من الله على ظهر سفينة، ولكن بعد سلسلة أحداث طُرح يونان إلى أعماق البحر، فابتلعه حوت ... وأخيراً أذعن يونان إلى أمر الرب فانطلق إلى نينوى ليبشر أهلها بالخلاص ... ". انظر كتاب الحياة ترجمة تفسيرية، ص 1088.

وفق العقيدة الإسلامية يُستبعد تماماً أن يرفض نبي كريم توبة أهل نينوى بعد أن أنذرهم العذاب، كما ينص سفر يونان. والملاحظ أنّ عدداً من المفسرين قد تأثروا بسفر يونان هذا عند تفسيرهم للآية الكريمة.

ورد في السيرة أنه عندما ذهب الرسول، عليه السلام، إلى الطائف أساء إليه الصغار والكبار إلا ما كان من عدّاس الذي هو من نينوى، فسأله الرسول، عليه السلام:" من مدينة الرجل الصالح أخي يونس بن متى؟ ". فهذا الحديث- إن صح- لا يشير إلى أنّ نينوى هي البلد التي نشأ فيها يونس، عليه السلام، ولا يشير كذلك إلى أنها البلد الذي آمن ليونس بعد إذ دعاهم. وعليه لا يبعد أن يكون يونس من نينوى ثم أُرسل إلى قومٍ آخرين بعد أن غاضب قومه. ولا يبعد أيضاً أن يكون من فلسطين ثم أُرسل إلى أهل نينوى. ولا يبعُد أن يكون من نينوى وأُرسل إلى أهلها. كل هذه الاحتمالات قائمة. وإذا لم يصح الحديث الوارد في السيرة فيمكن أن ينشأ لدينا احتمالات أخرى.

تشير الآيات الكريمة من سورة الأنبياء إلى أنّ يونس، عليه السلام، قد ترك المكان الذي كان فيه بعد مغاضبته قومه أو غيرهم. وتشير الآيات أيضاً إلى أنّ يونس، عليه السلام، ظنّ أنّ بإمكانه أن يغادر المكان الذي كان فيه لأنّ الله تعالى لم يضيق عليه في ذلك، وأنّ هذا الظن كان في غير محله. أمّا الآيات من سورة الصافات وفيها:" إذ أبق إلى الفلك المشحون"، فتشير إلى أنّ ذهابه كان كذهاب العبد الآبق الذي فرّ من سيده. ولا نستطيع أن نجزم بأنه كان نبياً عندما فعل ذلك، فالاحتمالات كثيرة، ولا يبنى على الاحتمال، وإن كان الأليق بمقام النبوة أن نقول إنّ ذلك كان قبل النبوة.

بعد مغادرته مغاضباً، وبعد حصول قصته عليه السلام مع الحوت، أرسله الله تعالى إلى مدينةٍ يسكنها ما يقارب المائة ألف نسمة، كما نصت الآية 147 من سورة الصافات:" وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون"، فالآية الكريمة لا تصرح، بل ولا تشير إلى أنه رجع إلى بلده الذي غادره. ولو كان قد رجع إلى بلده وقومه لكان ظهر ذلك في النص القرآني البليغ. وحتى لو ذهبنا إلى درجة تصديق ما ورد في سفر يونان، من أنّه رجع إلى أهل نينوى بعد أن أنذرهم، فإنّ ذلك لا يعني أنّه لم ينتقل إلى غيرهم.

أما قوله تعالى في الآية 147، 148 من سورة الصافات:" وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، فآمنوا فمتعناهم إلى حين"، فيشير إلى ضخامة البلد الذي أرسل إليه عليه السلام، كما ويشير إلى إيمان أهل هذا البلد. أي أنهم تأثروا به وسلكوا طريقه. والمعروف تاريخياً أنّ بلاد اليونان قبل الميلاد كانت تتألف من المدن الممالك، فكانت المدينة تتألف من عدد من السكان يكفي لتشكيل مملكة مستقلة قادرة على الدفاع عن نفسها. وإشارة القرآن الكريم إلى إيمان هذه المدينة يعني أنهم قد تأثروا بيونس، عليه السلام. ولا بد أن يظهر هذا التأثر في واقعهم؛ فأما على مستوى الأسماء فغلب اسم يونان على المنطقة، وحتى البحر فاسمه إلى الآن بحر يونيوس. وأما على المستوى اللغوي فأنت تجد أنّهم قد تأثروا بالأبجدية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير