تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقرر الدكتور العلواني في هذا النص أنّ المتبادر إلى الأذهان هو الرفع الحسي. ومن هنا نرى أنه لا بد من الأ خذ بالمتبادر حتى يقوم دليل على أنّ المتبادر غير مقصود. والعجيب قوله: (هذا المفهوم القرآني موجود وشائع في معظم السور، ليس فيه ما يشير إلى رفع حسي .. )!! واضح أنّ الدكتور العلواني لم يستقرئ الألفاظ القرآنية قبل أن يطلق هذا الحكم، ولو رجع إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، لوجد أنّ عدد السّور التي ورد فيها مشتقات (رفع) تقارب العشرين سورة، وسيجد أنّ عدد المشتقات لا تزيد عن 29 كلمة، وعند حذف ثلاث كلمات هي محل النزاع - تلك المتعلقة بعيسى وإدريس، عليهما السلام- سيجد أنّ 14 كلمة من أصل 26 تتحدث عن الرفع الحسي، أي أكثر من 50%. والذي نراه أنّ الأصل في اللغة هو الرفع الحسي وليس المعنوي. وهنا نجد أن خطأ الدكتور كان نتيجة عدم استقراء الألفاظ القرآنية.

قام الدكتور بترجيح الدلالة المعنوية للرفع على الرغم من أنّ المتبادر هو الرفع الحسي من غير أن يأتي بدليل من السياق، على الرغم من كون السياق يرجح الرفع الحسي، بل إنّ ما ذهب إليه من غير دليل سيضطره إلى إنكار الأحاديث التي نصّت على النزول كعلامة من علامات يوم القيامة, وهي أحاديث متواترة عند عامّة العلماء. وإذا لم تكن هذه الأحاديث متواترة فإنها في أعلى مراتب الصحة. وإذا أفلح الدكتور العلواني في تأويل معنى النزول في بعض ألفاظ الأحاديث فسيقع في إشكال كبير عندما يواجه النصوص التي تصف عملية نزول المسيح، عليه السلام، وصفاته الجسدية، وألوان ملابسه، وما سيقوم به بعد النزول من أعمال حسيّة ومدة لبثه في الأرض بعد النزول ... الخ.

يقول الدكتور العلواني في النص السابق: "وشُبه الحياة والرفع هي شُبه نصرانية". واضح أنه يقصد ما ورد في الأناجيل الأربعة من قيام المسيح من بين الأموات، وما ورد في إنجيل مرقس وإنجيل لوقا من أنّ المسيح قد رفع وأُصعد إلى السماء. وما يقوله العلواني هنا هو عين ما تقوله الطائفة الأحمدية زاعمين أنّ أهل التفسير قد تأثروا بما جاء في كتب النصارى. متناسين أنّ من بدهيات العقيدة الإسلامية أنّ اليهودية والنصرانية هي في الأصل ربانية المصدر، ثم دخلها التحريف والتبديل. أي أنّه لا بد أنّ من قاسم مشترك نجده بين الإسلام واليهودية والنصرانية. ولو لم يكن هناك قواسم مشتركة، على مستوى العقيدة والشريعة والأخلاق، لاقتضى ذلك أنْ يُلزم المسلمون بتقديم تفسير مقنع لعدم وجود مثل هذه القواسم، طالما أننا نعترف بالأصل السماوي لهذه الأديان.

يبدو أنّ الأحمدية، وكذلك الدكتور العلواني، لم ينتبهوا إلى المأزق المنهجي الذي يقعون فيه عندما يقولون إنّ مسالة الرفع هي من تاثيرات النصرانية في الفكر الإسلامي؛ لأن الجميع يُقر بأنّ النصرانية سبقت الإسلام تاريخياً، وعندما نزل القرآن الكريم كانت النصارى تقول برفع المسيح، عليه السلام، رفعاً حسياً استناداً إلى إنجيل مرقس وإنجيل لوقا. فإذا عُلم هذا كان لزاماً على الأحمدية والدكتور العلواني أن يُفسرا لنا لماذا يذكر الله تعالى مسألة الرفع مرتين في القرآن الكريم وهو يعلم أنها عقيدة عند النصارى؟! لماذا فند عقيدة الصلب ولم يفند عقيدة الرفع؟ بل لقد أكدها عندما قال: "بل رفعه الله إليه"، وقال: " .. ورافعك إلي .. ". أما كان يكفي أن يُهمل ذكر المسألة؟!. أمّا أن يُقررها أكثر من مرة، مع علمه بأنّها عقيدة نصرانية، فهذا يؤكد أنّ الرفع قد حصل فعلاً، وأنّه كان حسياً. وبلغة أخرى نقول: إذا كانت تأثيرات نصرانية، فلماذا يصر القرآن الكريم على إيجاد قاعدة نصيّة لمثل هذا التأثير الذي ترفضونه؟!! نقول هذا على اعتبار أنّ الأحمدية تزعم أنها تؤمن بأنّ القرآن الكريم هو وحي الله الحكيم العليم. ونقول هذا ونحن نعلم أنّ الدكتور العلواني يقر بأنّ القرآن الكريم فعلاً هو كلمة الله تعالى ووحيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير