تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا مثال يوضح منهجه في نقد متن الحديث وليس السند، لأنّ الأسانيد صحيحة، بل متواترة تواتراً معنوياً. والإشكال عنده في شعور المهدي بمجيء المسيح وهو يؤم الناس والمسيح يأتي من الخلف!!. وفي الحقيقة لا إشكال، لأنّ الروايات الأكثر والأصح لا تنص على أنّ المهدي يكون قد دخل في الصلاة. أمّا الحديث الذي استشكله فينص على أنّ المهدي يرجع القهقرى عند شعوره بحضور المسيح، عليه السلام، فيدفعه بين كتفيه ليبقيه إماماً. وكان بإمكان الدكتور العلواني أن يعمل على الترجيح بين الروايات لو كان الإشكال حقيقياً، أما أن يذهب إلى رفض كل الروايات بدعوى أنّ رواية واحدة تنص على أنّه كان قد دخل في الصلاة فأمر غير مقبول. والظاهرأنّ هناك خللاً في المنهجية، بل هناك تسرع في الهجوم على النصوص ورفضها دون مُسَوّغ.

أما كيف عرف المهدي بقدوم المسيح، عليه السلام،، فنقول:

عندما يصل الدجّال إلى الأرض المقدّسة يتوقع الناس، على ضوء النصوص التي بين أيدينا، أن ينزل المسيح، عليه السلام، في دمشق عند المنارة البيضاء. وعندما ينزل، عليه السلام، عند المنارة البيضاء شرقي دمشق يدرك المسلمون في فلسطين أنه سيحضر إلى المسجد الأقصى عند صلاة الفجر والناس يتهيأون لإقامة الصلاة والدخول فيها. وعندما يحضر، عليه السلام، يكون للناس ضجيج، كما يفهم من بعض الروايات، كيف لا، وقد علموا بنزوله، وهم قد جاءوا إلى المسجد عند الفجر لاستقباله. وشك أنّ أكثر الناس علماً بتفاصيل ذلك هو المهدي. وعلى الرغم من وضوح ذلك في الذهن نجد أنّ الدكتور العلواني يقول معترضاً ومستغرباً:"ولا أدري كيف يشعر!! ".

ألا يستطيع الدكتور العلواني أن يتصور أنّ وسائل الاتصال والإعلام يمكن أن تكون يومها أكثر تطوراً من اليوم، وأنّ نزوله سيكون مشاهداً من ملايين البشر في أرجاء العالم؟!! ألا يتوقع الدكتور أن تكون وسائل الإعلام حاضرة في انتظار نزول المسيح، عليه السلام، عند المنارة البيضاء، وأنّ لباسه المائل إلى الصفرة سيجعله ظاهراً في أبهى صورة؟!! وإلا ما فائدة أن يحدد لنا الرسول، عليه السلام، قبل الحادثة بسنين طويلة، المكان والزمان والهيئة؟!! وما يقال في نزوله، عليه السلام، في دمشق يقال في نروله وحضوره الصلاة في القدس.

إنّ منهجية الدكتور العلواني في مناقشة النصوص تذكرنا بمنهجية المخالفين الذين لا يقيمون وزناً للمنهجية السويّة، يدفعهم إلى ذلك تعصبهم ومكابرتهم، أمّا هو فلا ندري كيف يذهل عن أبسط البدهيات!!

يبدو أنّ الدكتور العلواني قد دفعه إلى كل هذا ما يراه من تعارض بين هذه الأحاديث والآية الكريمة التي تنص على ختم النبوة:" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليما". الأحزاب:40 والحقيقة أن لا تعارض إطلاقاً، لأنّ الآية الكريمة تنص على أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم النبيين. ومعلوم أنّ الختم فيه معنى الإغلاق المحكم لمنع الدخول، وهذا يعني أن لا خروج أيضاً. فمحمدٌ، صلى الله عليه وسلم، ختم النبوة، فلا مجال بعد ذلك أن يضاف نبي جديد إلى موكب الأنبياء، عليهم السلام. وهذا يستلزم أن لا نخرج نبياً من الأنبياء من الموكب المبارك. فأين الإشكال، بل أين شبهة الاستشكال؟!

فإن قال الدكتور العلواني إنّ شريعة الإسلام كاملة، وإنّ القول بنزول المسيح، يعني أنها لا تزال ناقصة، نجيب عن استشكاله بالآتي:

أولاً: لم يقل أحد بأنّ المسيح، عليه السلام، سيأتي بشريعة جديدة وأنه سيكمل الدين، وإنما هو استشكال مخترع.

ثانياً: لقد آمن عيسى، عليه السلام، برسالة الرسول، صلى الله عليه وسلم، قبل بعثته بستمائة سنة فقال:" ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".

ثالثاً: نصوص الأحاديث التي يرفضها الدكتور العلواني تنص على أنّه يكون متابعاً لشريعة الإسلام. جاء في صحيح مسلم:" ... فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة". بل إنّ الدكتور العلواني ذكر في المقابلة أنّ المسيح، عليه السلام، يقول:" لا ... أئمتكم منكم".

رابعاً: يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم:" لو أنّ موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني"، وهذا يدل على أنّ الأنبياء، عليهم السلام، ملزمون بشريعة محمد، صلى الله عليه وسلم، لأنها الشريعة الخاتمة. فأين الإشكال؟!!

خامساً: معلوم أنّ شريعة الإسلام تقبل الجزية من أهل الكتاب، ولكنّ عيسى، عليه السلام، لا يقبل الجزية منهم، كما تنص بعض الأحاديث. وهذا في حد ذاته تشريع جديد، أليس كذلك؟ والجواب على ذلك بسيط، نقول: من أدرانا بأنّ عيسى، عليه السلام، لا يقبل الجزية؟ الجواب: أحاديث الرسول، عليه السلام. إذن هذا جزء من مبادئ الإسلام، فأين التشريع الجديد؟!! ونقول بلغة أخرى: إنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول لنا: اقبلوا الجزية من أهل الكتاب حتى يأتي المسيح، عليه السلام،. ولذلك عندما نرى أنّ المسيح، عليه السلام، يقتل الخنزير ويكسر الصليب ولا يقبل الجزية يزداد يقيننا بنبوة الرسول، عليه السلام، فأين الإشكال؟!

وأخيراً: كان يمكن أن نتتبع جميع تصريحات الدكتور العلواني، ولكن أردنا أن نقدم للقارئ بعض الأمثلة التي توضح حقيقة الخلل في منهجية التفكير والاستدلال، بغض النظر عن الأشخاص وأسمائهم وألقابهم. فمن أراد أن يتصدى لتجديد التراث الإسلامي لا بد أن يكون صاحب منهجية سوية في التفكير والاستدلال. ومن يفقد مثل هذه المنهجية يحتاج أكثر من غيره إلى أن يكون حذراً أشد الحذر قبل أن يطلق الأحكام ويهدر النصوص. وهذا في ظننا أساسه قوة الإيمان وتقوى القلوب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير