(11 (" ثم دلل على هذا المقسم عليه بثلاثة أدلة يرد بها على المكذبين " ألم نهلك الأولين , ألم نخلقكم من ماء مهين , ألم نجعل الأرض كفاتا " ثم أجاب على هذه المظاهر بإثنين من الأوامر للمكذبين " انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30 (" ثم أتبعها بأمر واحد للمتقين " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "ثم أمر مماثل كذلك للمكذبين " كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ " , فسبحان من أتى بمثل هذا التقسيم.
ونبدأ مع السورة متوكلين على الله , بسم الله الرحمن الرحيم:
تبدأ السورة بخمس من الأقسام , بدأ اثنان منها بالواو وثلاث بالفاء , ولقد اختلف المفسرون في المراد من هذه الأقسام فقال بعضهم أنها كلها في الملائكة وقال آخرون أنها كلها في الرياح وقال آخرون أنها كلها في القرآن وقال آخرون أن بعضها في الرسل , وقال آخرون أن المراد من الثلاثة الأوائل هي الرياح والإثنان الأخريان هما الملائكة! وهذه الأقوال كلها مرجوحة – كما سنبرهن للقارئ بإذن الله تعالى – فعندما نظرت في الآيات ظهر لي فيها فهم آخر والحق يقال أني وجدته لبعض المعاصرين فلست أول من أتى به ولكن يشهد الله أنه من نظري في القرآن , فحاولت أن أتأكد إذا كان أحد من السابقين قد قال بهذا القول , فوجدت الإمام الفخر الرازي يذكره في تفسيره احتمالا! فيقول:
" القولالثاني: أن الاثنين الأولين هما الرياح، فقوله: {والمرسلات عُرْفاً * فالعاصفات عَصْفاً} هما الرياح، والثلاثة الباقية الملائكة، لأنها تنشر الوحي والدين، ثم لذلك الوحي أثران أحدهما: حصول الفرق بين المحق والمبطل والثاني: ظهور ذكر الله في القلوب والألسنة، وهذا القول ما رأيته لأحد، ولكنه ظاهر الاحتمال أيضاً، والذي يؤكده أنه قال: {والمرسلات عُرْفاً، فالعاصفات عَصْفاً} عطف الثاني على الأول بحرف الفاء، ثم ذكر الواو فقال: {والناشرات نَشْراً} وعطف الاثنين الباقيين عليه بحرف الفاء، وهذا يقتضي أن يكون الأولان ممتازين عن الثلاثة الأخيرة " اهـ
ونبدأ الآن في تناول الآيات لنثبت للقارئ أن الرأي الذي ما رأه الإمام الرازي لأحد هو الراجح بإذن الله تعالى:
تبدأ السورة بقوله تعالى " والمرسلات عرفا " , الملاحظ أن هذه السورة هي الوحيدة من بين سور الأقسام الأربعة " الذاريات , المرسلات , النازعات , العاديات " والتي بدأت باسم مفعول , أما باقي السور فبدأت باسم فاعل! فالمرسلات اسم مفعول من أرسل وهي جمع مرسلة. إذا فالله تعالى يقسم بمرسلات عرفا , فما هو العرف؟
العرف معروف بالنسبة للقارئ , فإذا أطلقت الكلمة هكذا يقفز إلى ذهنه معنيان وهما بالفعل أصل هذه اللفظة , فإذا نحن نظرنا في المقاييس وجدناه يقول:
" العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة. فالأوّل العُرْف: عُرْف الفَرَس.
وسمِّي بذلك لتتابُع الشَّعر عليه. ويقال: جاءَت القَطا عُرْفاً عُرْفاً، أي بعضُها خَلْفَ بعض. ........ والأصل الآخر المعَرِفة والعِرفان. تقول: عَرَف فلانٌ فلاناً عِرفاناً ومَعرِفة. وهذا أمر معروف.
وهذا يدلُّ على ما قلناه من سُكونه إليه، لأنَّ مَن أنكر شيئاً توحَّشَ منه ونَبَا عنْه. ومن الباب العَرْف، وهي الرَّائحة الطيِّبة. وهي القياس، لأنَّ النَّفس تسكُن إليها. يقال: ماأطيَبَ عَرْفَه. قال الله سبحانه وتعالى: وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد 6]، أي طيَّبَها. قال:
إِلا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ ولَيْلَةٍ بواضحةِ الخدّين طيِّبة العَرْفِوالعُرْف: المعروف، وسمِّي بذلك لأنَّ النفوس تسكُن إليه. " اهـ
يتبع ...............
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[13 Jun 2008, 09:02 ص]ـ
¥