تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا فالله تعالى يقسم بمرسلات عرفا , فما هو الشيء الذي يصدق عليه هذا الوصف؟ إذا نحن نظرنا في الواقع وجدنا أن أكثر ما يصدق عليه هذا الوصف هو الرياح , وكذلك نخرج بنفس النتيجة إذا نحن نظرنا في القرآن , فعلى الرغم من أن الله تعالى أرسل أشياءا كثيرة في القرآن مثل الصواعق أو السماء " المطر " أو الحفظة أو شواظ , إلا أن أكثر ما أرسل وينطبق عليه الوصف هو الرياح , فنجد قوله تعالى " َوهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61] , وقوله " َوهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف: 57] , وقوله " أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل: 63]

َوقوله " ومِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الروم: 46] " وقوله " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الروم: 48] "

إذا حتى الآن يصدق هذا الوصف على الرياح , فإذا نحن نظرنا في الآية التالية وجدناها تزيد المعنى تأكيدا ففيها يقول الله تعالى " فالعاصفات عصفا " ونلاحظ أن الله تعالى عطف الآية على سابقتها بالفاء وليس بالواو مما يفيد أنها نفس الأولى مع حدوث تغير في الحال فقط , أما لو عطف بالواو لأفاد التغير , إذا فالمرسلات عرفا تعصف بعد ذلك عصفا , فيرجح ذلك أن يكون المراد منها الرياح وليس الملائكة , فمعنى العصف معروف بالنسبة للقارئ , ولكن نظرا لأنه قد يعرف مدلولا جزئيا للكلمة نقدم له المدلول الشامل حتى يستطيع أن يكون تصورا شاملا للفظة وكيف تكون في الواقع:

العصف كما جاء في المقاييس:

" العين والصاد والفاء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على خِفّةٍ وسرعة. فالأوَّل من ذلك العَصْف: ما على الحبِّ من قُشور التّبن. والعَصْف ما على ساق الزَّرع من الوَرَق الذي يَبس فتفتَّت، كل ذلك من العَصْف. قال الله سبحانه: فَجَعَلَهُم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل 5]، قال بعضُ المفسِّرين: العصف: كلُّ زرعٍ أُكِل حَبُّه وبقي تبنُه.

وكان ابنُ الأعرابي يقول: العَصْف: ورقُ كلِّ نابت. ويقال: عَصَفْتُ الزَّرْعَ، إذا جَزَزْتَ أطرافَه وأكلتَه، كالبقل.

ويقال: مكانٌ مُعْصِف، أي كثير العَصْف. " اهـ

ومن ضمن معانيها في اللسان:

" ... وفي التنزيل: والحبُّ ذو العَصْف والرَّيْحانُ؛ يعني بالعصف ورق الزرع وما لا يؤكل منه، وأَمّا الريحان فالرزق وما أُكل منه، وقيل: العَصف والعَصِيفةُ والعُصافة التّبْن، وقيل: هو ما على حبّ الحِنطة ونحوها من قُشور التبن. " اهـ

فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى وجدناه يقول:

" وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ [الرحمن: 12] , َفجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ [الفيل: 5] , هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس: 22]

مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ [إبراهيم: 18]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير