مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت: 15] ", فينبهه الله عزوجل أن تبدل الأزمنة ومرورها والنقصان والزيادة أكثر من كافية لإهلاك أي طاغ متجبر محتم بغيره, فدورة الزمان دائرة وهي لا تبقي أحدا!
إذا فكما رأيت عزيزي القارئ فإن في هذه الأقسام إشارات جليلة عجيبة تزلزل وتؤثر في كل إنسان ذي حجر! فإذا نحن انتقلنا إلى باقي الآيات فسيكون التناول يسيرا سريعا لأن الرابط العام للسورة قد ظهر للقارئ.
وبعد أن أنهى الله عزوجل الأقسام يقول مخاطبا النبي الكريم " ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" فالله يسأل نبيه ليذكره بقدرته ورصده, ألم تر –وبإذن الله سنفرد موضوعا مستقلا لمسألة "ألم تر" هذه- كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد والتي وصفها الله في كتابه الكريم أوصافا عدة توضح عظمتها , ذكرنا نحن بعضها في أثناء عرضنا, ويزيدها هنا فيقول "التي لم يخلق مثلها في البلاد" وسواء كان المراد من "مثلها" المدينة نفسها أو القبيلة نفسها كما قال الله تعالى:
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف: 69]
فالشاهد أن الله قد أهلك هؤلاء القوم الذين قزادهم بسطة حتى قالوا من أشد منا قوة! فأنزل عليهم العذاب بالريح فبادوا!
وكذلك "وثمود الذين جابوا الصخر بالواد" أي ألم تر كيف فعل الله بثمود الذين جابوا الصخر أي خرقوا ونحتوا وليس بالمعنى العامي "أحضر" فجوب كما جاء في المقاييس:
" الجيم والواو والباء أصلٌ واحد، وهو خَرْقُ الشيء. يقال جُبْتُ الأرضَ جَوْبا، فأنا جائبٌ وجَوّابٌ. قال الجعدي:
أتاك أبو ليلى يَجوبُ به الدُّجَى دُجَى الليل جَوّابُ الفلاةِ عَثَمْثَمُويقال:"هل عِندك جَائِبةُ خبرٍ" أي خبرٌ يجوب البلاد.
والجَوْبَةُ كالغائط؛ وهو من الباب؛ لأنه كالخَرْق في الأرض.
والجوْب: دِرعٌ تلبسُه المرأة، وهو مَجُوبٌ سمِّي بالمَصدر.
والمجِْوَبُ: حديدةٌ يُجابُ بها، أي يُخْصَف. وأصلٌ آخر، وهو مراجَعة الكلام، يقال كلمه فأجابَه جَواباً، وقد تجاوَبا مُجاوَبة." اهـ
فهؤلاء كانوا من الأقوام الشديدة وكانوا يعيشون في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم ولكن على الرغم من ذلك أهلكهم الله بالصاعقة!
وكذلك فعل الله بفرعون ذي الأوتاد! ونلاحظ هنا أن الله عزوجل عندما تكلم عن هلاك فرعون تكلم عن هلاكه هو –وآله تباعا- وليس عن هلاك وتدمير الحضارة المصرية! لأن العذاب الذي خصص لفرعون كان عذابا مسلطا على أفراد وليس على المباني كما كان مع عاد وثمود! -
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[28 Jun 2008, 11:24 ص]ـ
إذا فالله تعالى يسأل النبي الكريم: ألم تر كيف فعل ربك بعاد وثمود وفرعون, وهم من كانوا في القوة والمنعة ولكن كل ذلك لم يمنعهم من الله, ثم يوضح الله عزوجل للنبي الكريم السبب الذي أدى إلى نزول العذاب بهم, فالعذاب لا ينزل هكذا اعتباطا وإنما لأسباب حازمة فقال: " الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" فلقد طغت هؤلاء الأقوام طغيانا عظيما وأكثروا الفساد في الأرض فأرسل الله عزوجل لهم الرسل فاستمروا في طغيانهم ولم يرتدعوا أو يتذكروا "فصب عليهم ربك سوط عذاب" والصب هو النزول المتوال ولقد صب عليهم الله عزوجل سوط عذاب ولم يصب عليهم العذاب! فالعذاب الحقيقي والصب الحقيقي سيكون في الآخرة! أما في الدنيا فمجرد سوط, والسوط كما جاء في المقاييس:
"السين والواو والطاء أصلٌ يدلُّ على مخالطة الشَّيءِ الشيءَ. يقال سُطت الشّيءَ: خلطتُ بعضَهُ ببعض. وسَوَّط فلانٌ أمرَهُ تسويطاً، إذا خَلَطَه. قال الشَّاعر:
فلستَ على تسويطها بمُعان
ومن الباب السَّوط، لأنّه يُخالِط الجِلدة؛ يقال سُطْتُهُ بالسَّوط: ضربتُهُ.
وأمَّا قولهم في تسمية النَّصيب سَوطاً فهو من هذا. قال الله جلَّ ثناؤه: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [الفجر 13]، أي نَصيباً من العذاب." اهـ
¥