تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما بيان ما يجب علينا من استعانته ليهب لنا في الدنيا والآخرة من نعمه ويصرف عنا من الضر والكرب ما لا نستطيعه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر القليل فكما في دعاء النبيين وضراعتهم ربهم حيث وقعت في القرآن كما في قوله} وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم {الأنبياء 83 ـ 84.

إن قوله} باسم الله {حيث وقع في الكتاب فإنما هو للدلالة على عبادة وتكليف من الله يجب أن يقوم به المكلف العابد مستعينا ومبتدئا باسم الله الذي شرع له ذلك الفعل ومخلصا له فيه من غير إشراك معه وكما بدأ طاعته بإعلان أنها باسم الله المعبود الذي شرعها له. وهكذا ركب نوح ومن معه في السفينة كما في قوله} وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها {هود 41 فأطاع أمر الله حين أوحي إليه قوله} قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن {هود 40 فجرت بهم الفلك على الماء الطوفان وجرت بعدها كل سفينة على الماء والعادة أن تستقر عليه وتغرق فكان جريانها في البحر بما ينفع الناس إنما هو باسم الله الذي أوجب على من في السفينة وعلى الناس أن يستعينوا بالسفن وبمنافعها في طاعة الله وعبادته، ولو قال نوح باسم ربي مجراها ومرساها لم تجر سفينة على البحر بعدها إلا لمثله، إذ ما كان باسم ربنا هو الآية الخارقة المعجزة مع رسله من الملائكة والبشر.

وهكذا لم يحل من الذبائح والصيد البري إلا ما ذكر اسم الله عليه كما في المائدة وثلاثة كل من الأنعام والحج.

إن حرف الأنعام} ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق {الأنعام 121 ليعني أن إزهاق الحياة في الطير والدواب إنما يجب أن يكون باسم الله الذي شرع لنا أكلها لنحيى ونقوى على العبادة، أما ما لم يذكر اسم الله عليه منها فتجرد من هذا القصد والنية فهو فسق خرج به الإنسان عن الوحي الذي جاء به النبيون وعن مقتضى العبودية إلى المعصية والعبث فحرم على المسلمين أكله، ولئن كان النهي عن الأكل من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكي منها بإنهار دمه وذكر اسم الله عليه فما ظنك بقتل الصحيح من الطير والأنعام عبثا وما ظنك بقتل الإنسان إذا لم يكن من المكلف به طاعة لله ورسوله.

إن الذي يقول " باسم الله " قبل طعامه وشرابه المباح قد أطاع الله في قوله} وكلوا واشربوا ولا تسرفوا {الأعراف 31.

وإن الذي يقول " باسم الله " ويأكل الخنزير والميتة والدم غير مضطر فقد افترى على الله كذبا وادعى أن الله قد شرع ذلك.

وإن الذي يقول " باسم الله " ويطأ زوجته قد أطاع الله في قوله} وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين {النساء 24 فهي كلمة الله التي استحللنا بها فروج النساء.

وإن الذي يقول " باسم الله " ويزني قد افترى على الله وادعى أن الله شرع له الزنا وكلّفه به وما أشبهه بسلفه من القرامطة الذين كانوا يقرأون القرآن لابتداء الليالي الحمراء فإذا سكت القارئ أطفئت المصابيح ووقع كل رجل على من تقع يده عليها ولو كانت أخته أو أمه كما سنّه علي ابن الفضل الجدني القرمطي في آخر القرن الثالث الهجري في اليمن.

إن قوله} باسم الله الرحمن الرحيم {ليعني أن قائلها ككاتبها يشهد على نفسه ويقر بأنه يبتدئ فعلا هو من تكليف الله تماما كما تعني رسالة سليمان إلى ملكة سبإ والملإ معها من قومها} إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين {النمل 30 ـ 31 أن سليمان رسول الله إلى الناس وأن كتابه هذا هو من رسالته إليهم وهم أعم من بني إسرائيل فزيادة التكليف بقدر زيادة التمكين كما بينت في فقه المرحلية، ويأتي لاحقا سبب ابتداء فاتحة الكتاب كالسور بـ} باسم الله الرحمن الرحيم {وسبب إيراد اسم الرحمة فيها وفي كتاب سليمان وإنما يتم المعنى في ما تقدم باسم الله إذ هو من تكليف الله عباده فهو مما يقدرون عليه ويستطيعونه ويسع كلا الطاعة والعصيان.

ولقد تضمن الكتاب الأمر بذكر الله بأسمائه الحسنى ودعائه بها ومنه} في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه {النور 36 ومن المثاني معه قوله} ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها {البقرة 114، ومنه ما تضمنت سورة الأعراف والإسراء وطه والحشر من الأمر بدعاء الله بأسمائه الحسنى.

وأما فاتحة العلق} اقرأ باسم ربك الذي خلق {فلإظهار أن قراءة النبي الأمي r القرآن من أوله إلى آخره كما نزّله جبريل على قلبه هي خارقة معجزة لا يقدر عليها أحد من العالمين وإنما تمت باسم ربه الذي خلق كما أن خلق الإنسان من علق لا يقدر عليه غير ربه فكذلك قراءة النبي الأمي r القرآن لا يقدر على إيقاعها غير ربه.

وقد يحسب الجاهل ذلك مبالغة بل لو أبدل النبي الأمي r اسما من أسماء الله الحسنى بآخر منها أو حرفا بآخر ولو كان من فواتح السور التسع والعشرين لانخرمت المثاني في الكتاب ولفسد نظم الكلام ومعناه ولوقع فيه اختلاف كثير كما سأثبته إن شاء الله ولبطل وصف البدل بأنه من كلام الله.

إن القرآن هو من عند الله وإنما محمد r رسول الله به وخاتم النبيين بلغ وحي الله ولم يزده حرفا أو ينقصه منه رغم أنه كان أميا لا علم له بالكتاب والإيمان قبل نزول الوحي عليه كما في قوله} بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين {يوسف 3 ومن المثاني معه قوله} وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان {الشورى 52، وهكذا كانت قراءة النبي الأمي r قد تمت باسم ربه لأنها خارقة معجزة، وكانت قراءة القرآن بعدها غير خارقة فابتدئت الفاتحة كما السور بقوله} باسم الله الرحمن الرحيم {وتعني أنها كسائر العبادات يسع كلا طاعتها وعصيانها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير