تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد فهمتُ من هذه الآية في هذه السورة المدنية أنَّ ما عبر القرآن عن تكفيره من سيئات أولئك المؤمنين لا بدّ وأن يكون كُتبَ في الدنيا ضرورةً , وإلا لما ساغ التعبير بالماضي المعطوف عليه إصلاحُ البال والمقابلُ لما كان للكفرة من عقوبةٍ دنيويةٍ تتجسدُ إضلال الأعمال المتمثل في هزيمة بدرٍ وجعل حسنِ أعمالهم هباءا منثوراً لا يثابون عليه.

وفي حديث القرآن عن الصحابة حين كانَ حكم الله أول الإسلام ملزماً في المكلفَ إذا صام فأمسى فنام بأن يحرُم عليه الطعامُ والشرابُ والنساءُ حتى يفطر من غده ووقع بعضهم رضي الله عنهم على نسائه بعد النوم من الليل فلما عظُم عليهم ذلك وبلغ بهم الندمُ على العصيان مبلغه رحمهم الله بنزول قوله (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)

فالذي فهمتُه من الآية أنْ لا معنى لجعل الفعل المتعلق بالتوبة والمغفرة ماضياً وإتباعهما في إباحة النساء بالفاء - الدالة على التعقيب - إلا لكون تلك الخيانة للأنفس قد كتبها الله تعالى وعفا عنها بعد ذلك , وإلا فما الذي أفاده العطفُ بالفاء غير ذلك؟.

قال الله تعالى (وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون)

فهؤلاء الذين ابتدعوا الرّهبانية وقاموا لله برعايتها ابتغاء رضوان الله كتب الله ثوابهم على ذلك في الدنيا بدليل التعبير بالفعل الماضي (آتينا)

وأنت -رعاك الله وحفظك - لم تدخل هؤلاء الأجلاء رضي الله عنهم ,الذين عبّر القرآن بالماضي عن سبق كتابة الآثام عليهم بدليل إتباعها التوبة والمغفرة ,في عِداد من أقررت بكتابة أعمالهم في الدنيا ساعة قلت:

(نعم كتبت في الدنيا أعمال الذين عذبوا في الدنيا كالمكذبين من قوم نوح ومن بعدهم من الأحزاب وكذلك كتب الله أعمال المجرمين الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم أي لن يغفرها الله يوم يقوم الحساب وسيعذبهم بها كما هي دلالة قوله تعالى " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون " النساء 81 أي هو وعد من الله أن لا يغفر لهم سيء أعمالهم وأن يعذبهم بها ولا يلتبس هذا الحرف بغيره لإسناد كتابة تلك الأعمال إلى الله)

قال الله تعالى (ووضعنا عنك وزرك) ولا يخفى ما في امتنان الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بسبق وضع الوزر عنه لساعة المخاطبة بهذه الآية فضلاًً عن ساعة قيام الأشهاد.

ويدل لذلك أيضاً ما صحَّ من أنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم حتى ترم قدماه فقيل له: (يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟) قال (أفلا أكون عبدا شكورا؟)

فجاء الفعلُ من السائلة رضي الله عنها ماضياً دالاً على يبق هذه المغفرة , وأقرّ المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا التعبير وزاد الإقرار عليه باستفهامه الدال على أنّ ما أشفقت عليه منه وهو تورمُ القدمين إنما هو شكرٌ لله على ما تفضل به عليه من مغفرةٍ لذنوبه.

ولاحتمال قصور فهمي لما سقته من آياتٍ أستدل بها فهذه يا شيخنا بعضُ الآثار النبوية القطعية الصحيحة التي عزَّزت عندي صعوبة الجزم و التسليم بأنَّ أعمال المكلفين لن تكتب في حياتهم الدنيا وإنما بعد البعث حين يقوم الحساب.

قال صلى الله عليه وسلم عن الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها"

أفلا يدل ذلك بوضوح على أنّ الكتابة لهذا العمل متحققة في الدنيا.؟

قال صلى الله عليه وسلم " من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل"

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة شيءة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير