هي من هذه الجهة على ضربين؛ علل ثوانٍ؛ وهي ما لاحظها العرب أول مرةٍ، فاعتدوا بها في مواضع دون مواضع؛ كالتوكيد والاستثقال؛ فربما لم يقيسوها؛ كقولك في (أقائلنّ أحضروا الشهودا): إنه قاس (قائلن) على (تقولن) قياسَ شبهٍ؛ وإن كان غيرَ مقيس. وربما قاسوا بعضَ المواضع التي اعتدوا فيها بالعلة الثانية، فانتقلت إلى العلل الأوائل؛ فصارت كالقانون لهم؛ فإن شئتَ احتججتَ بالعلة الثانية، وإن شئت احتججتَ بالعلة الأولى؛ من قِبَل أن قياسَ العرب لها وطردَها كافٍ في التعليل والاحتجاج. وهذا النوع من العلل – أعني العلل الثواني - مما لا يخصّ قومًا دون قومٍ، ولا لِسانًا دون لسانٍ؛ وإنما هو مما يَجوز أن يقع في نفسِ كل إنسانٍ، ومما يجري مجرى الطبائع في الغالب؛ كالاستثقال وخوف اللبس؛ بيدَ أن العرب ربما احتفلوا ببعضها، وأكثروا من قياسِها والالتفاتِ لها. أما العلل الأوائل فعلل لا يشرَك العربَ فيها أمةٌ من الأمم؛ وإنما هي محمولةٌ على ما يوافق العربية، ويلائم طبيعتَها؛ ومثل ذلك نونُ التوكيد؛ فإنهم اجتلبوها آثرًا مّا للتوكيد ثم قاسوها في مواضع معينة؛ فإذا أثبتّها في كلامك على قياسهم، وسألك سائل عن علة إثباتك لها، فإن شئت احتججتَ بالعلة الأولى فقلتَ: لأنها لحقت الفعل المضارع – وذكرتَ سائر الشروط -، وإن شئتَ قلتَ: أثبتها للتوكيد؛ غيرَ أن احتجاجك بالعلة الثانية قد يهدي السائل إلى الاستفهام (هل العرب قاسوا ذلك أم لا)؟. وعلة تسمية الضرب الأول بالعلل الأوائل، والثاني بالعلل الثواني من جهةِ أنك لو سُئلتَ مثلاً: لِمَ قُلبتِ الواو ألفًا في (قالَ) فقلتَ: لأنها تحركت وانفتح ما قبلها، فإن هذه علةٌ أولى (وهي التي سماها الزجاجي علةً تعليميةً)، وابن جني (علة العلة) و (شرح العلة وتتميمها)، وهي اعتلال بالقياس، ولو قال بعد ذلك: ولِمَ إذا تحركت وانفتح ما قبلها قُلِبت ألفًا، فقلتَ: لعلة الاستثقال، كانت علتك هذه علة ثانية (وهي التي سماها الزجاجي علةً قياسيةً)؛ وهي اعتلال للقياس. هاتان هما اللتان عليهما مدارُ التعليل. وهم يَذكرون أيضًا من العللِ العللَ الثوالثَ وما فوقها، وهي التي يسميها الزجاجي (علةً جدليةً نظريةً) وابنُ جني (علة علةِ العلة)؛ ويُرادُ بها المجادلةُ في العلة الثانية وتحصيلُها والنظرُ في شأنها؛ فافهم ذلك واحفظه) ا. هـ.
أرجو أن يكونَ المقصودُ من العلةِ الثانيةِ قد تبيَّن لك.
أنا لك شاكرٌ.
الحجة
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[29 - 08 - 2007, 02:12 م]ـ
شيخنا الحجة، بارك الله فيكم، تبينت لي العلة الثانية وبها تبينت لي المسألة برمتها، وكنت أظن أن أهل هذا الكلام ذهبوا فما لهم من باقية، فلم أفهم المقصود من السؤال؛ لاستبعادي أن يكون في الناس اليوم من يسأل عن أمثال هذا، والحمد لله الذي أبقى بقية منهم؛ ليتحفونا بعلمهم.
وسؤالي-بعد إذنكم شيخنا-أين أجد كتابكم في أصول النحو وعلله؟ زادكم الله من فضله.
ـ[علي المعشي]ــــــــ[30 - 08 - 2007, 05:30 ص]ـ
أخي الحبيب الحجة
قلتم:
لِمَ إذا كانَ فاعله مفردًا مذكرًا، أو ضميرًا مستترًا يبنى على حذف آخره ... ؟
وقد جعلتم المبني على حذف آخره قسمين: الأول فاعله مفرد مذكر، ثم عطفتم عليه بـ (أو) القسم الثاني الذي فاعله ضمير مستتر.
فأما ما فاعله ضمير مستتر فهو واضح، لكن حبذا التمثيل لفعل مبني على حذف آخره يكون فاعله مفردا مذكرا، ولكم جزيل الشكر.
ـ[حازم إبراهيم]ــــــــ[30 - 08 - 2007, 11:24 ص]ـ
الأخ على المعشى لك خالص امتنانى على انتباهك الدائم، فسؤالك ربما للاستبعاد وليس استفهاما حقيقيا، والحديث كان عن بناء الأمر معتل الآخر، والحق أنه لا يوجد فى الأمر مطلقا فاعل مظهر؛ فهو إما ضمير بارز لغير المفرد، أو ضمير مستتر وجوبا تقديره "أنت"، إذا كان الأمر للمفرد.
- التغير الطارىء على الفعل" سعى "عند بنائه للأمر واسناده لضمائر الرفع:
- اسع: مبنى على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت، ولما استحال وصله بالأمرلم يبن على السكون كما فى مثل "سعيْت" وإنما بنى على حذف حرف العلة.
اسعيْنَ: مبنى على السكون لمباشرة نون النسوة الفعل وتأثيرها على آخره بناء على السكون، ومثل ذلك نون التوكيد الثقيلة:"اسعيَن َّ"مبنى على الفتح.
اسعَوْا: مبنى على حذف النون، وإنما حذفت لام الفعل (العلة) لالتقائها مع الواو الساكنة.
أما ماذكره أخى الحجة عن العلل الأوائل، والثوانى وغيرها فهو مما وجب تركه فى هذه الأيام التى سبقنا الغرب فيها مئات السنين الفلكية علما، هذا من خلال وجهة نظر تقبل الرد حيث إن الإيغال فى العلل ينتهى بنا إلى فلسفة مقيتة تكون سببا فى هجر ذلك الفرع من العلم من قبل المبتدئين أمثالى.
ـ[أبو قصي]ــــــــ[31 - 08 - 2007, 02:32 م]ـ
أيها الدكتور الفاضل: بشر
إن من أولى علومِ العربيةِ بالتعلُّم، وأحقها بالنظر علمَ أصولِ النحو وعللِه. ولقد أرى قومي عنه في غفلةٍ ساهينَ، معَ أنَّ المرءَ لا يحِق له الكلامُ في النحو، ولا في التصريفِ حتى يفهمَه، ويتمثّلَ أصولَه.
وكنت مذ نظرتُ في النحو والتصريف معنيًّا به، شاغلاً وقتيَ بالتأمُّلِ فيه، حتى فتح الله عليَّ فيه أبوابًا، وكشفَ عني حُجُبًا، فطفِقت أقيِدها، حتى أنشأتُ كتابًا تامَّ الأبوابِ والفصولِ، لا أذكرُ أني أوردتُ فيه نقلاً باللفظِ لأحدٍ؛ وإنما استنبطتُ أكثرَه بنفسي. وهذا الكتاب لما يزل تحت يديَّ غيرَ مطبوعٍ؛ فلعلَّ الله ييسِّر لي تنقيحَه، والزيادةَ عليه، حتى أقدِّمه للناسِ تامًّا محكَمًا.
الحجة
¥