من أهم ما يتم به التمييز بين المبتدأ والخبر كون المبتدأ معلوما ومحكوما عليه، وكون الخبر حكماً، ولو تأملنا البيت جيدا لوجدنا أن الحكم إنما هو (عجبٌ) والمحكوم عليه (خولة)، أي أن خولة مبتدأ، وعجب خبر، هذا مقتضى المعنى. ولكن بقي أن نخرّج الإعراب على وجه لا يخالف الصناعة النحوية، وعليه أرى:
عجب: خبر مقدم مرفوع وعلامة رفعه الضم الظاهر.
خولة: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضم الظاهر.
إذ: اسم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بعجب وهو مضاف.
تنكرني: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مؤولة بمصدر في محل جر مضاف إليه.
وأما (أمْ) فيمكن أن تكون منقطعة كما قال بعض الإخوة، ويمكن أن تكون عاطفة وذلك على تقدير همزة استفهام قبل الجملة الأولى، كأنه يتساءل: هل إنكارها إياه على معرفتها له يعد عجبا أو أن ذلك الإنكار في محله لأنه قد شاخ وكبر؟
أعود إلى إعراب عجب خبرا وخولة مبتدأ لأقول إن هذا الإعراب لا يخلو من إشكال لكنه إشكال أرى له مخرجا جيدا ..
فأما الإشكال فهو الإخبار بالمعنى (عجب) عن الذات (خولة) والأصل في ذلك المنع.
وأما المخرج فهو أنه يجوز الإخبار عن (الذات) بالخبر (الذي لا يصلح خبرا إلا للمبتدأ المعنى) وذلك إذا دل دليل حالي أو مقالي على (معنى) مقدر يصلح لأن يضاف إلى المبتدأ الذات فيكون هو المبتدأ من حيث المعنى ولكنه عندما حذف لكونه مفهوما أصبح المضاف إليه الذات مبتدأ.
ألا ترى أن ظرف الزمان لا يصلح للإخبار عن الذات فلا يجوز: زيدٌ أمس، وإنما يصلح للإخبار عن المعنى مثل: السفر غدًا. ولكن إذا دل دليل حالي أو مقالي على تقدير (معنى) يكون مضافا إلى المبتدأ الذات جاز الإخبار بظرف الزمان عن الذات كأن تقول:
الصوفُ شتاءً، والقطنُ صيفًا، فظرفا الزمان (صيفا وشتاء) أخبر بهما عن مبتدأين كلاهما ذاتٌ (الصوف والقطن) فما مسوغ ذلك مع أن الأصل المنع؟ المسوغ أن المقصود (لبس الصوف شتاء، ولبس القطن صيفا) فلما أمكن تقدير المعنى المحذوف قبل الذات جاز الإخبار عن الذات بما لا يصلح إلا للإخبار عن المعنى، ومنه مقولة ذي القروح (اليومَ خمرٌوغدا أمر) فأخبر بظرف الزمان عن الذات خمر لأن التقدير اليوم شرب خمر.
وفي جملتنا (عجب خولة إذ تنكرني) دل دليل مقالي (تنكرني) على أن المقصود (إنكار خولة عجب إذ تنكرني) ولكن المضاف (المعنى) حذف لوجود الدليل عليه فجاز الإخبار بالمعنى عن الذات هنا كما جاز الإخبار بظرف الزمان عن الذات للمسوغ نفسه هناك فهما سواء.
هذا والله أعلم.
ـ[أبو العباس المقدسي]ــــــــ[04 - 09 - 2007, 12:54 ص]ـ
بارك الله فيك استاذنا
عجب: خبر مقدم مرفوع وعلامة رفعه الضم الظاهر.
خولة: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضم الظاهر.
ولكن أليس الأصح أن نقول: مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؟
وإنما نقول للمبني: مبني على الضم.
أليس كذلك؟
ـ[قريشي]ــــــــ[04 - 09 - 2007, 05:28 م]ـ
لماذا هذا التكلف والمبتدأ يحذف كثيرا في مثل هذه التعابير؟ وحذف حرف النداءفي مفرد العلم فصيح. والمعنى: أمرك ياخولة عجيب حين تنكرينني ألم أقض معك أياما حلوة؟ ثم أضرب عن هذا فقال: بل لا عجب فخولة لا تريد أن تقيم علاقة عاطفية مع شيخ هرم مفاصله متورمة وكله سعال ذهب منه الأطيبان وبقي منه الأخبثان بل تريد شابا يتدفق حيوية ونشاطا وفارسا تلاعبه ويلاعبها. هذا مقتضى إعرابي. أما الإعراب الآخر فهو:
الأمر عجب.
خولة إذ تنكرني.
بل ترى شيخا.
قدكبر.
على غرار الشعر الحر الفارغ:
تمر هندي.
فستق عبيد.
الأرض تحت السماء.
الطير يغرد.
القمر يطل من الأفق.
وعلى القارئ أن يلغي عقله ليفهم وإلا فليس حداثيا.
ـ[أبو تمام]ــــــــ[05 - 09 - 2007, 01:03 ص]ـ
السلام عليكم
أخي القريشي إعرابك بعيد لأنّ الرجل يخاطب غير خولة، ويخبرنا عنها، ودليله: عجب خولة حين تنكرني.
ولو أنّه قال: إذ تنكرينني، أو تُنكِرينِي. أي: أن الخطاب موجه لخولة لقلت لك أنّ (خولة) منادى.
أختي لبانة إعرابك صحيح ولا غبار عليه.
أخي الفاتح الظرف متعلق بالمصدر وقد ذكرته في الرد السابق، والمعنى: عجبٌ خولةُ حين تنكرني.
أخي علي المعنى يحتمل ما تقول على تقدير مضاف محذوف: خولة ُ ذاتُ عجب ٍ، أو على أنّ المصدر يقع خبرا نظير: عمر عدل، أي عادل، وخولة عجبٌ أي عجيبة.
لكن على هذا المعنى: (إنكار خولة عجب إذ تنكرني) يكون العجب من الإنكار لا من خولة، ولا شكّ أنّ الشاعر تعجب من خولة حين أنكرنته، ولم يتعجب من إنكار خولة، فإن كان كذلك فالظرف (إذ تنكرني) متعلق بحال من خولة، وليس متعلق بالمصدر (عجب).
وبالنسبة لـ (أم) فالخلاف أخي على في حال كونها منقطعة، هل تكون حرف عطف للجمل أم لا، والمعنى (بل أرأت شيخا قد كبر).
فهي بمعنى بل والهمزة عند البصريين، وعند بعض الكوفيين بمعنى (بل) فقط دون تقدير همزة.
فلعلك تقصد أم المتصلة، المهم لم أستوعب تقديرك للهمزة بالضبط في قولك:"هل إنكارها إياه على معرفتها له يعد عجبا أو أن ذلك الإنكار في محله لأنه قد شاخ وكبر؟ "
والله أعلم
¥