[علم الصرف ومسائله]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[26 - 12 - 2007, 01:01 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيمالإخوة الكرام: لشعوري بأهمية " الصرف " في تطور اللغة ونمائها، أحببت أن أضع بين أيديكم بعض المسائل المتعلقة بهذا العلم، ومن هنا لا بد من تناول بعض التعريفات كمقدمة. أرجو أن تنال القبول وينتفع بها رواد هذا المنتدى الذي يسعى إلى ربط أبناء العربية بلغتهم.
يبحثُ علمُ الصَّرْف في حَقْلين كبيريْن هما: التَّصْريف والاشتقاقُ، ومن طبيعة عِلْمِ الصَّرْف "تَناوُل النَّاحِيَة الشَكليَّة التركيبيَّة للأَبْنِيَةِ، والمَوازين الصَّرْفيَّة، وعلاقاتها التَّصريفيَّة من جهة، والاشتقاقية من جهة أُخْرَى"
الصرف لغة جاء في لسان العرب: مادة (صرف) "الصَّرْفُ: رَدُّ الشيء عن وجهه، صَرَفَه يَصْرِفُه صَرْفاً فانْصَرَفَ. وصارَفَ نفْسَه عن الشيء: صَرفَها عنه. وقوله تعالى: ثم انْصَرَفوا؛ أَي رَجَعوا عن المكان الذي استمعُوا فيه، وقيل: انْصَرَفُوا عن العمل بشيء مما سمعوا. صَرَفَ اللّه قلوبَهم أَي أَضلَّهُم اللّه مُجازاةً على فعلهم؛ وصَرفْتُ الرجل عني فانْصَرَفَ ".
التَّصْريف اصطلاحاًأَمَّا من النَّاحِيَة العَمَليَّة فيَعني تقليبُ الكَلِمَة الواحدةِ على صُوَرٍ متعددة قال ابن جني "هو أنْ تَجيءَ إلى الكَلِمَةِ الواحدةِ، فتُصَرفُها على وجوهٍ شتَّى" من أجل تَوْلِيد ألفاظٍ مختلفة، ومعانٍ مُتفاوتِة. ويَدرسُ الصَّرْف الكَلِمَة في مَعْزَلٍ عن السياق، فيتناول مكوناتها الصَّوتيَّة بالبحث، أفيها صَوْت زائدٌ، أم فيها صَوْت ناقصٌ، أم فيها صَوْت تَبدَّل به صَوْت آخر؟ كما يَدْرُس تَقَلباتِها من صيغة إلى أُخْرَى. وبهذا يُعْرفُ جامدُ الأفعال من مُتَصرِّفها، أو جامدُ الأسماءِ من مُشتقِّها.
قال ابن عقيل (ت 769هـ) "التَّصْريفُ عِلمٌ يُبْحَثُ فيه عن أحكام بِنيَةِ الكَلِمَة العَرَبِيَّة، وما لحروفها من أصالةٍ وزيادةٍ، وصِحَّةٍ وإعْلالٍ، وشِبْه ذلك". ولعل تعريف أبي حيَّان الأندلسي كان مُفَصَّلاً بقوله: " التَّصْريف معرفَةُ ذوات الكَلِم في أَنْفُسِها من غير تركيب، وهو قسمان: أحَدَهُما: جعل الكَلِمَة على صِيَغٍ مختلفةٍ لضُروبٍ من المَعَانِي كالتَّصْغيْر والتَّكْسير. والعادةُ ذكْرُهُ مع النَّحْو الذي ليس بتَصْريف. والآخَرُ: تَغْييرها عن أصْلها لا لمَعنَىً طَارئٍ عليها، ويَنْحَصِرُ في النَّقْصِ والقَلْب والإِبْدَال والنَقْل". وقد حَدَّدَ اللغويون القُدَمَاء مَجَال علم الصَّرْف، فذكروا أنَّه لا يَدْرُسُ إلاَّ الكَلِمَة المُتَصَرِّفَة، ولا يَتَنَاولُ ما جَمُدَ من الكلمات، كالأدوات والأفْعَال الجَامدَة، وبَعْض الأسماء التي لا تَتَصَرَّف " ولا يَدْخُل التَّصْريف أَعْجَمِيَّاً وصَوْتاً وحَرْفَاً، ومختلف أصل، ومُتَوَغِّلَ بناء من الأسماء، وجاء بَعْض هذا مشتقاً ".
والتَّصريفُ عند المُحْدَثِين أيْضَاً يتعلق ببُنْيَة الكَلِمَة ويَهْتَم" بدراسة التشكيلات الصَّرْفيَّة التي تُحددُ وتُعيِّن بشكلٍ خاصٍ الوظيفةَ النَّحْويَّة لأشكال الكَلِمِ الناتِجة منها" والتَّصريفُ في الُّلغَة العَرَبِيَّة هو الجانب المَسؤولُ عن العَلاقَة بين أشكال الكلمات، مثل: رَجُل رَجُلان، ويَأْكُلُ تَأْكُلُ يَأْكُلان، بمعنى أنَّ الكلمات التي يَتَوقَّف اختيار بَعْضها في التركيب الُّلغَويّ على وجود ما يتفق مع ما تُشير إليه من دلالات، تُوحِي في ذِهْن المُتَكلِّم، بالعَدَدِ، والنَّوْعِ، والشَّخْصِ، والزَّمَنِ، والنَّسْبَة، والتَّوْكيد ... ".
يتضحُ مِمَّا سبق أنَّ التَّصْريف يَكْشِفُ عن عَلاقِةٍ وثيقَةٍ بين النَّحْو والصَّرْف، ولا يَصِحُّ تعريفه بدراسة البُنْيَة الصَّرْفِيَّة للكلمات فقط، فقد فَطِنَ ابن جني (ت 392هـ) إلى الرَّبطِ بين التَّصْريف والنَّحْو: "من الواجب على مَنْ أراد مَعْرفَة النَّحْو أنْ يَبْدأَ بمَعْرفَة التَّصْريف. وعِلْمِ النَّحْو لا يَستطيع أنْ يَسْتَغنِيَ عن نتائِج الدِّراسة الصَّرْفيَّة " لأنَّ العَلاقَة بين أجزاء التَّركيب تَتَأثَّر بشكل الصِّيغَة، بل أنَّها لتفسدُ أحياناً حين نُبْدِلُ صيغةً بأُخْرَى".
وجُمْلَة القَوْل أنَّ مَفْهُوم التَّصْريف عند لُغَوييِّ العَرَبِيَّة القُدَمَاء، لا يَبْعُد عن مَفهُومه عند علماء الُّلغَة المُحْدَثِين، إلاَّ في طريقة التَّنَاول.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[26 - 12 - 2007, 01:13 ص]ـ
أكرمك الله شريف الفصيح، وحقا موضوعك جدير بالطرح
ـ[عبدالدائم مختار]ــــــــ[26 - 12 - 2007, 02:56 ص]ـ
أحسنت أخي محمدا
وليتك تقدم دروسا في الصرف فأنت أهل لذلك
ـ[محمد سعد]ــــــــ[27 - 12 - 2007, 12:34 ص]ـ
تعريف الاشتقاق
جمع السيوطي في موسوعته اللغوية "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" آراء طائفة من اللغويين العرب القدامى حول الاشتقاق وأنواعه، وأورد تعريفات كثيرة منها أن "الاشتقاق أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة " (ص.346 ج.1).
وأكثر التعريفات التي أوردها السيوطي نجد لها صدى عند الباحثين العرب المحدثين الذين لم يزد أغلبهم عن صوغ ماقاله القدماء بأسلوب حديث. ومع ذلك فهناك من المحدثين من فهم آلية الاشتقاق فهما جيدا وعرفها تعريفا أدق نسبيا من تعريفات القدماء، ومن هؤلاء صبحي الصالح وعبد الصبور شاهين.
فالاشتقاق عند صبحي الصالح هو "توليد بعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها إلى أصل واحد يحدد مادتها ويوحي بمعناها المشترك الأصيل مثلما يوحي بمعناها الخاص الجديد". أما عبد الصبور شاهين فيعرف الاشتقاق بأنه "صوغ كلمة فرعية من كلمة أصلية على أساس قياس فرعي، كاشتقاق الصفات وأسماء الزمان والمكان ونحوها ... وبناء على هذا التعريف يصبح المصدر والفعل الماضي-كلاهما صورا اشتقاقية لا أصلا اشتقاقيا كما ذهب القدماء".