[لماذا يجامل النحاة .... ؟؟!]
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[28 - 12 - 2007, 05:09 م]ـ
يقول القاضي الجرجاني في كتابه القيم (الوساطة بين المتنبي وخصومه)
أغاليط الشعراء
ودونك هذه الدواوين الجاهلية والإسلامية فانظر هل تجد فيها قصيدة تسلم من بيت أو أكثر لا يمكن لعائب القدْح فيه؛ إما في لفظه ونظمه، أو ترتيبه وتقسيمه، أو معناه، أو إعرابه؟ ولولا أن أهلَ الجاهلية جُدّوا بالتقدم، واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة، والأعلام والحجة، لوجدتَ كثيراً من أشعارهم معيبة مسترذَلة، ومردودة منفية، لكن هذا الظنّ الجميل والاعتقاد الحسن ستر عليهم، ونفى الظِّنة عنهم، فذهبت الخواطر في الذبّ عنهم كلّ مذهب، وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام، وما أراك - أدام الله توفيقك - إذا سمعتَ قول امرئ القيس:
أيا راكباً بلّغَ إخواننا ... مَن كان من كِندَة أو وائل
فنصب بلغ
وقوله:
فاليوْم أشْرَبْ غيرَ مُستَحقِبٍ ... إثْماً من الله ولا واغِلِ
فسكن أشرب
وقوله:
لَها مَتْنَتان خَظاتا كماً ... أكبّ على ساعدَيْه النّمِرْ
فأسقط النون من خَظاتَا لغير إضافة ظاهرة.
وقول لبيد:
تَرّاكَ أمكنة إذا لم أرْضَها ... أو يرتَبطْ بعض النّفوسِ حِمامُها
فسكن يرتبطْ ولا عمل فيها للَم.
وقول طرفة:
قد رُفِع الفَخّ فماذا تحذَري
فحذف النون.
وقول الأسدي:
كنا نرقّعها وقد مُزِّقت ... واتسع الخرْق على الراقع
فسكن نرقّعها.
وقال الآخر:
تأبى قُضاعة أن تعْرِفْ لكمْ نسَباً ... وابْنا نِزار وأنتُم بيضَةُ البَلَدِ
فسكن تعرف
وقول الآخر:
يا عَجَباً والدهر جمٌ عجبُهْ ... من عَنْزيٍّ سبّني لم أضرِبُهْ
فرفع أضربه.
وقول الفرزدق:
وعضُّ زمانٍ يا بْنَ مرْوانَ لم يدَعْ ... من المالِ إلا مُسْحَتاً أو مُجَلَّفُ
فضم مجلَّفاً.
وقول ذي الخِرَق الطُّهَوي:
يقول الخَنى وأبغَضُ العُجْم ناطِقاً ... الى ربنا صُوْتُ الحمار اليُجَدَّعُ
فأدخل الألف واللام على الفعل.
وقول رؤبة:
أقْفرَتِ الوعْثاء والعُثاعثُ ... من بعْدهم والبُرَق البَرارِثُ
وإنما هي البِراث جمع برَث وهي الأماكن السهلة من الأرض، وروى البَوارث وكأنه جمع بارثة.
وقول بعض الرّجّاز؛ أنشده المفضّل:
كانت عجوزاً عُمِّرتْ زمانا ... وهي ترى سَيْئَها إحسانا
تعرفُ منها الأنفَ والعَينانا
ففتح النون من العينانا.
وقول آخر منهم - أنشده أبو زيد:
طاروا عليهنّ فطِرْ عَلاها ... واشدُدْ بمَثنى حَقَب حَقواها
ناجيةً وناجياً أباها
فرفع حَقواها، وحقّه النصب، كما قد نصب أباها، وحقّه الرفع.
وقول الأقيشر:
وقد بَدا هَنْك من المئْزرِ
وقول نقيع بن جُرموز:
أطوّفُ ما أطوفُ ثم آوي ... الى أمَّى ويرويني النقيعُ
فأدخل الألف في أمّى لغير نداء ولا ضرورة.
وغيرُ هذا مما هو أسهلُ منه قول امرئ القيس:
كأن ثَبيراً من عَرانين وبْلهِ ... كبيرُ أناسٍ في بِجادٍ مزمَّلِ
فخفض مُزَمّلا، وهو وصفُ كبير
وقول الفرزدق:
بخيْرِ يَدَيْ منْ كان بعد محمّدٍ ... وجارَيْه والمقتولِ للهِ صائمِ
فخفض صائم.
وقول رؤبة:
قد شفّها النوح بمأزولٍ ضيَقْ
ففتح الياء. ومثال ذلك مما يُخرِج الكتاب عن غرضه.
ثم اسعرضت إنْكارَ الأصمعي وأبي زيد وغيرهما هذه الأبيات وأشباهها، وما جرى بين عبد الله بن أبي إسحاق الحضرَمي والفرزدق في أقواله ولحنه في قوله:
فلوْ كانَ عبدُ اللهِ موْلًى هجوتُهُ ... ولكنّ عبدَ الله موْلى مَوالِيا
ففتح الياء من موالي في حال الجر،
وما جرى له مع عنْبَسَة الفيل النحوي حتى قال فيه:
لقد كان في معْدان والفيل شاغل ... لعنبَسَة الرّاوي عليّ القصائدا
وما كان القدماء يتّبعونه في أشعار الأوائل من لحن وغلط وإحالة وفساد معنى؛ حتى قال البرْدَخْت لبعض النحويين:
لقد كان في عينيك يا حفصُ شاغل ... وأنف كمثلِ العودِ مما تتبَّعُ
تتبّع لحناً في كلام مرقّشٍ ... وخلْقُك مبنيٌّ على اللحن أجمع
فعيناك إقواء وأنفك مكْفأ ... ووجهُك إيطاء فأنت المرقّع
وقول الأصمعي في الكميت: جُرمُقانيّ من جَراميق الشام لا يُحتجّ بشعره، وما أنكره من شعر الطّرمّاح، ولحّن فيه ذا الرُمّة.
ثم تصفحتَ مع ذلك ما تكلّفه النحويون لهم من الاحتجاج إذا أمكن: تارة بطلب التخفيف عند توالي الحركات، ومرة بالإتباع والمجاورة؛ وما شاكلَ ذلك من المعاذير المتمحَّلة، وتغيير الرواية إذا ضاقت الحجّة؛ وتبيّنتَ ما راموه في ذلك من المَرامي البعيدة، وارتكبوا لأجله من المراكب الصّعبة، التي يشهد القلب أن المحرّك لها، والباعث عليها شدةُ إعظام المتقدم، والكلَفُ بنُصرة ما سبق إليه الاعتقاد، وألِفته النفس.
;) ;) ;)
ـ[أبو حازم]ــــــــ[29 - 12 - 2007, 04:38 م]ـ
سلام عليك أبا سهيل
هذه المسألة من المسائل الكبار والأصول العظام التي عليها مدار علم النحو وقواعده، ولطالما أكثر أهل هذا الشأن الكلام فيها بين منتصر للشعراء انتصارا مطلقا وبين ناقد مخطئ لهم وبين مبتغ بين ذلك سبيلا
ومن أراد تحقيق القول فيها وفصل الخطاب لابد له أن يحيط بما قيل فيها ثم يمحص منها ويسبر ما يصح وما لا يصح والله الموفق للصواب
¥