[خصائص الفاعل في اللسانيات - الجزء الأول]
ـ[ضاد]ــــــــ[11 - 10 - 2008, 04:29 م]ـ
يسعى إدوارد كينان في مقالته المنشورة سنة 1976 وعنوانها "نحو تعريف كليّ للفاعل" إلى إيجاد خصائص كلية تميز الفاعل بحيث يمكن من خلالها تحديده في أي جملة في أي لغة في العالم. ويقر الكاتب أن في كل لغة خصائص للفاعل خاصة بها غير كلية وغير قابلة للسحب على لغات أخرى, مما يجعل عملية التحديد على نحو أن أي عنصر في الجملة يحمل من الخصائص أكثر مما لا يحمله فهو مرشح لأن يكون فاعلا, والعنصر الذي يحمل أكثر عدد من الخصائص في الجملة فهو الفاعل.
ينطلق كينان في البحث عن هذه الخصائص بافتراض جملة أساسية معنويا في كل لغة يكون فاعلها هو الفاعل الأساسي. وتحديد الخصائص في الجملة الأساسية معنويا يساعد على تحديده في الجمل غير الأساسية حتى وإن كان الفاعل فيها يحمل القليل من الخصائص, لأنه متفرع من الفاعل الأساسي.
للجملة الأساسية معنويا خصيصتان:
1 - لا تكون بنية تركيبية س أكثر أساسية معنويا من بنية تركيبية ص إلا إذا وفقط إذا كان معنى ص مرتبطا بمعنى س, أي كي نفهم ص لا بد من أن نفهم س.
2 - لا تكون جملة أساسية في لغة ما إلا إذا وفقط إذا لا توجد جملة مكتملة (أخرى) في اللغة ذاتها أكثر أساسية منها.
ويقر أنه من الصعب تحديد الخصيصة الأولى إذ أن الحكم على جملة أنها أكثر أساسية من أخرى يستلزم فهم الجملتين, ولا جرم أن ثمة حالات صعبة التحديد, ولكن كينان يرى أن جملة:
زيد نحوي.
أكثر أساسية من جملة:
عمرو يظن أن زيدا نحوي.
إذ أن فهم "أن زيدا نحوي" لا يتأتى إلا بفهم الجزء الأول "عمرو يظن".
أما الخصيصة الثانية فيقول بأن جملة:
زيد يغني.
أكثر أساسية معنويا من جمل مثل:
زيد يغني برداءة.
زيد لا يعرف الغناء.
حدثني عمرو أن زيدا لا يعرف الغناء.
وهلم جرا.
خصائص الفاعل:
i. الخصائص الذاتية:
1. الوجود المستقل: مما يميز الفاعل أن له وجودا مستقلا عن الفعل الذي سيفعله أو عما ينجر عنه.
مثال:
كتب زيد قصيدة.
فزيد في الجملة موجود بذاته عكس القصيدة التي لا وجود لها إلا بفعل زيد للكتابة.
2. الاستغناء: مما يميز فاعل الجملة الأساسية أنه لا يمكن الاستغناء عنه, في حين أن عناصر أخرى يمكن إسقاطها وتظل الجملة رغم ذلك تامة.
3. المرجعية الذاتية (يعود على نفسه): يقول كينان أن على المتكلم أن يحدد مرجعية الفاعل عند الكلام, فلا يمكن أن تكون مرجعية الفاعل مرتبطة بمرجعيات مركبات اسمية أخرى تتبعه. فإذا كان هناك مركبان اسميان في الجملة وكانا يعودان على الشخص نفسه فإن المركب غير الفاعلي أو المركب الأبعد عن صدر الجملة هو الذي يحمل علامة تميزه (تغير الإعراب والنغم) أو يمكن حذفه. مثال:
نفسُه يحب زيدا.
زيد يحب نفسَه.
في الجملة الأولى لا يمكن تحديد مرجعية الفاعل دون اللجوء إلى إدخال "زيد" في معنى "نفسه". وتتفرع من هذه الخصيصة خصائص فرعية عديدة:
أ. الارتباط بالضمائر الشخصية: يرتبط الفاعل بالضمائر الشخصية. مفهوم الضمائر الشخصية في العربية مختلف عنه في اللغات الهندوأوربية مثلا, لأنه يمكن التعبير عن عودة الفعل على فاعله بطرق متعددة عكس تلك اللغات التي تستعمل ضمائر شخصية. فنقول في العربية:
غسل نفسه.
اغتسل.
سقى نفسه.
استقى.
استسقى.
وتستعمل الضمائر الشخصية في العاميات أكثر منها في الفصحى إذ بغياب الصيغ الفعلية احتاج المتكلم إلى استعمال كلمات مثل "حال" و"نفس" و"روح" للتعبير عن عودة الفعل على فاعله. مثال:
اغسل حالك\روحك\نفسك.
ب. العطف مع الإضمار: يرتبط الفاعل في الجملة بفاعل جملة معطوفة إذا غاب عنها الفاعل. مثال:
ضرب زيد عمروا وبكى.
أكل زيد الثريد ونام.
ففاعل الجملة المعطوفة محذوف ومقدر ولا يمكن أن يكون إلا هو نفسه فاعل الجملة الأولى.
ت. الارتباط الرجعي بضمير في جملة متصدرة: يرتبط الفاعل بضمير سبقه في جملة متصدرة. مثال:
بعدما نام, قام زيد جائعا.
عندما قدم, احتضن زيد أباه.
الضمير المستتر في "بعدما نام" و"عندما قدم" لا يمكن أن يرتبط إلا بزيد, لا بأبيه في الجملة الثانية.
ث. الاشتراك في الفاعل: إذا ارتبطت جملتان ببعضهما البعض ارتباطا تركيبيا بحيث غاب عن الثانية الفاعل فإنه هو نفسه فاعل الأولى. مثال:
يظن زيد أنه سيفوز.
يريد زيد أن يحجّ.
فالفاعل في الجملتين الثانيتين هو نفسه فاعل الجملتين الأوليين.
ج. الاتباع: من خصائص الفاعل أن الفعل يتبعه في الجنس والعدد. مع العلم أن ثمة لغات لا يتبع فيها الفعل الفاعل ولغات يتبع فيها الفعل الفاعل والمفعول به.
ح. الاشتراك والانتقال: ما ترجمته بالاشتراك والانتقال هو تعبير عن الحالات التي تشترك فيها جملتان بينهما علاقة عطف في عنصر إما يحافظ على وظيفته أو ينتقل إلى وظيفة أخرى. ومن هذه الحالات:
• الجمل التي تدخل عليها أفعال القلوب, حيث ينتقل المفعول به في الجملة الأولى إلى فاعل في الجملة الثانية. مثال:
حسب زيد عمروا يكذب عليه.
• وحيث يشتركان في الفاعل. مثال:
ظن زيد أنه نام طويلا.
• وفي الجملتين اللتين تشتركان في الفاعل (ذكرناها سابقا). مثال:
يريد زيد أن يساعد عمروا.
فاعل "يريد" هو فاعل "يساعد"
• العطف والإضمار: (ذكرناها سابقا). مثال:
ذهب زيد إلى عمرو وضربه.
فاعل "ضربه" هو فاعل "ذهب".
• عند تسلسل الأفعال لمفعول واحد, فإن فاعلها واحد. مثال:
زرع وحصد زيد الحرث.
زيد زرع وحصد الحرث.
زيد زرع الحرث وحصد.
خ. المرجعية المطلقة: تعني المرجعية المطلقة أن فاعل الجملة لا بد أن يكون موجودا حقيقة أو تجريدا حتى وإن كان مفعولها غير موجود. مثال:
أكل زيد الأبتثجحخ.
فزيد في الجملة لا بد أن يكون موجودا حقيقة أو تجريدا, عكس الأبتثجحخ فيمكن أن يكون كذبا وغير موجود, كمن يقول, لا وجود لهذا المأكول أو النبات. غير أن ثمة فواعل لاشخصية صورية تضطر إليها الجملة لإتمام التركيب مثل تعابير الأحوال الجوية في الإنغليزية.
يتبع بإذن الله.
¥