تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تأملات في جوانب من منهج النحاة]

ـ[سعد حمدان الغامدي]ــــــــ[29 - 10 - 2008, 03:46 ص]ـ

[تأملات في جوانب من منهج النحاة]

مع وقفات معهم في مسائل من (لولا الامتناعية)

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وبعد:

فالنحويون الأوائل على الرغم من سعة علمهم وعنايتهم بالسماع، وعلى الرغم من تقصيهم وتحرزهم ومزيد اهتمامهم بصياغة القواعد ضبطًا وإحكامًا وبالسماع جمعًا ودرسًا، فإنّه يمكن بمراجعة للسماع وبخاصة القرآن وبتدقيق فيه قد يصل الباحثون الجدد إلى ما لم ينتبه له المتقدمون، ليستبين حجم ما تركوه ولم يلحظوه، وقد يُصَحِّحُ ذلك بعضَ ما قالوه.

ذكر الشيخ عضيمة في مقدمة كتابه دراسات (لأسلوب القرآن الكريم) أنّ: "الشعر قد استبدّ بجُهْد النحاة، فركنوا إليه وعوّلوا عليه، بل جاوز كثير منهم حدّه، فنسب اللحن إلى القرّاء الأئمة، ورماهم بأنهّم لا يدرون ما العربية"؟.

ووصف صنيع النحاة هذا بأنه ثَغْرة نفذ منها الطاعنون عليهم، لأنّ الشعر رُوي بروايات مختلفة كما أنه موضع ضرورة".

وهذا الكلام فيه جانب كبير من الصواب، ولكن لمّا كان النحو علما مضبوطا يتصف بالموضوعية والشمول والتصنيف والاقتصاد، والموضوعية تقوم على الاستقراء الناقص، كما يقول شيخنا تمام حسّان في الأصول ()، وليس النحو معرفة تقوم على الاستقراء التامّ، وتهدف إلى الإحاطة بكل جوانب موضوع المعرفة، لذا كان من مجانبة الصواب محاسبة النحاة على تقصيرهم في الاستقراء.

ومع هذا فإني أعتقد أنهم قد جاوزوا الحدّ عند ما خرجوا عن وصف اللغة إلى نقد الفصحاء، والأخذ عليهم، وتلحينهم، ووصل بهم الأمر إلى تلحين القرّاء والقراءات والرواة والروايات، وهذا فوق ما فيه من الخروج على المنهج الوصفي السليم فيه قدح في ثقافة الأمة ووسائلها التوصيلية القائمة على الرواية والثقة بالرواة نقلة التراث ممّن وثق بهم الناس وأخذوا عنهم وتلقوهم بالقبول، كما فيه عدوان على النص وعبث به بلا حجة مقنعة سوى بعض أقيسة هي ثمرة اجتهاد لأفراد يكون منهم الصواب كما يكون منهم الخطأ.

وأيضا، ومع هذا كلّه، فإن النحاة في الحقيقة لم يهملوا النظر في القرآن بالكلّيّة، والدليل على ذلك كثرة الشواهد منه في كتاب سيبويه؛ إذ زادت على أربعمائة آية.

أمّا الشعر الذي عوّلوا عليه فإنه يجب أن ندرك أنّ تعويلهم ذاك كان على بعض الشعر، لا عليه كلّه ولا كثير منه، وأن صنيعهم فيه اهتمام بنوع مما قالته العرب مع إقصاء إلى حدّ ما لغيره، وهذا وضع صحيح إذا كان المراد الاستقراء الناقص، ولكنّ التجاوز للمعقول يظهر في أمور:

أولا: أنهم وهم يسمعون عن العرب لم يعنوا بالقرآن المروي والمجموع بين دفتي المصحف قبل أن يوجد ما يسمى بالنحاة والنحو – حسب مؤرخي النحو - بأربعين عامًا تقريبًا العناية اللائقة بنص لغوي موثّق مثله؛ إذ لم يظهر أنهم نظروا إليه على أنه كتلة نصيّة كاملة، وعدم الاهتمام به بهذه الصورة أوصلهم إلى إطلاق أحكام تظهر مجافية أحيانًا لما يكون في القرآن.

أمّا الحديثُ فحدِّث ولا حرج، فقد أهمل بصورة شبه كاملة عند النحاة الأوائل يقول ابن الضائع: "تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث وأبو حيان يأخذ على ابن مالك استشهاده بالحديث قائلا: "وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره، على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل وسيبويه من أئمة البصريين والكسائي والفراء وعلى بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك" وهذا الكلام يمكن التعليق عليه ولكننا ندعه إلى مناسبة أخرى.

ثانيا: ثبت في عمل النحاة أمران: جانب الصناعة التي تتصف بما ذكرنا وهذا هو النحو، وجانب معرفيّ وهو يقتضي الاستقراء التام وذلك في مسائل شتّى كحصر أنواع المعارف وأدوات الاستفهام والشرط والعطف والجر وغير ذلك، وقد بلغوا في ذلك الغاية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير